الباحث القرآني

فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ السَّبْعِ: وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّبْعَ قِيلَ: هِيَ [أَوَّلُ] السُّوَرِ الطِّوَالِ: الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْأَعْرَافُ، وَبَرَاءَةُ تَتِمَّةُ الْأَنْفَالِ. وَقِيلَ: السَّابِعَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا يُونُسُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِي: أَنَّهَا الْحَمْدُ، سَبْعُ آيَاتٍ؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، وَالْبُشْرَى، وَالنِّذَارَةُ، وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ، وَإِعْدَادُ النِّعَمِ، وَنَبَأُ الْأُمَمِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمَثَانِي: وَفِيهَا [أَرْبَعَةُ] أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِيهَا الْمَعَانِي. الثَّانِي: أَنَّهَا آيَاتُ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا آيَاتُ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: {مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23] الرَّابِعُ: أَنَّهَا الْقُرْآنُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: هُوَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ. الثَّانِي: هُوَ الْحَوَامِيمُ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْفَاتِحَةُ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَسْطُورِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّبْعُ مِنْ السُّوَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْآيَاتِ؛ لَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَشَفَ قِنَاعَ الْإِشْكَالِ، وَأَوْضَحَ شُعَاعَ الْبَيَانِ، فَفِي الصَّحِيحِ عِنْدَ كُلِّ فَرِيقٍ وَمِنْ كُلِّ طَرِيقٍ أَنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيت». وَبَعْدَ هَذَا فَالسَّبْعُ الْمَثَانِي كَثِيرٌ، وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ، وَالنَّصُّ قَاطِعٌ بِالْمُرَادِ، قَاطِعٌ بِمَنْ أَرَادَ التَّكْلِيفَ وَالْعِنَادَ، وَبَعْدَ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَفْسِيرَ. وَلَيْسَ لِلْمُتَعَرِّضِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا النَّكِيرُ. وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ لَوْلَا تَفْسِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُحَرِّرَ فِي ذَلِكَ مَقَالًا وَجِيزًا، وَأُسْبِكَ مِنْ سَنَامِ الْمَعَارِفِ إبْرِيزًا، إلَّا أَنَّ الْجَوْهَرَ الْأَغْلَى مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَأَعْلَى؛ وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَهَا فِي أَوَّلِ سُورَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، إذْ هِيَ الْأُولَى مِنْهُ، فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ مِنْ هَهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. [مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88]. الْمَعْنَى: قَدْ أَعْطَيْنَاك الْآخِرَةَ، فَلَا تَنْظُرْ إلَى الدُّنْيَا، وَقَدْ أَعْطَيْنَاك الْعِلْمَ فَلَا تَتَشَاغَلْ بِالشَّهَوَاتِ، وَقَدْ مَنَحْنَاك لَذَّةَ الْقَلْبِ فَلَا تَنْظُرْ إلَى لَذَّةِ الْبَدَنِ، وَقَدْ أَعْطَيْنَاك الْقُرْآنَ فَتَغَنَّ بِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ أَيْ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَأَى بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ حَتَّى يَطْمَحَ بِبَصَرِهِ إلَى زَخَارِفِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَهُ مَعَارِفُ الْمَوْلَى، حَيِيَ بِالْبَاقِي، فَغَنِيَ عَنْ الْفَانِي. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». فَكَانَ يَتَشَاغَلُ بِالنِّسَاءِ جِبِلَّةَ الْآدَمِيَّةِ وَتَشَوُّفَ الْخِلْقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَيُحَافِظُ عَلَى الطِّيبِ مَنْفَعَةً خَاصِّيَّةً وَعَامِّيَّةً، وَلَا يَقَرُّ لَهُ عَيْنٌ إلَّا فِي الصَّلَاةِ لَدَى مُنَاجَاةِ الْمَوْلَى، وَيَرَى أَنَّ مُنَاجَاةَ الْمَوْلَى أَجْدَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْلَى. وَقَدْ بَيَّنَّا تَحْقِيقَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا كَانَ فِي دِينِ عِيسَى؛ وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ لَهُ وَلَنَا بِحِكْمَتِهِ حَنِيفِيَّةً سَمْحَةً خَالِصَةً عَنْ الْحَرَجِ خَفِيفَةً عَنْ الْإِصْرِ، نَأْخُذُ مِنْ الْآدَمِيَّةِ وَشَهَوَاتِهَا بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَنَرْجِعُ إلَى اللَّهِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، إنْ شُغِلَ بَدَنُهُ بِاللَّذَّاتِ عَكَفَ قَلْبُهُ عَلَى الْمَعَارِفِ، وَرَأَى الْيَوْمَ عُلَمَاءُ الْقُرَّاءِ وَالْمُخْلِصُونَ مِنْ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الِانْكِفَافَ عَنْ اللَّذَّاتِ، وَالْخُلُوصَ لِرَبِّ السَّمَوَاتِ الْيَوْمَ أَوْلَى، لِمَا غَلَبَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ الْحَرَامِ، وَاضْطُرَّ إلَيْهِ الْعَبْدُ فِي الْمَعَاشِ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لَا تَجُوزُ مُخَالَطَتُهُ، وَمُصَانَعَةُ مَنْ تَحْرُمُ مُصَانَعَتُهُ، وَحِمَايَةُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَصِيَانَةُ الْمَالِ بِتَبَدُّلِ الطَّاعَةِ بَدَلًا عَنْهُ؛ فَكَانَتْ الْعُزْلَةُ أَفْضَلُ، وَالْفِرَارُ عَنْ النَّاسِ أَصْوَبُ لِلْعَبْدِ وَأَعْدَلُ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بِهِ الْوَعْدُ الَّذِي لَا خُلْفَ لَهُ مِنْ الصَّادِقِ؛ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ». فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ وَهِيَ: [مَسْأَلَة هَلْ الْفَاتِحَةُ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفَاتِحَةِ: «هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»، فَتَكُونُ الْفَاتِحَةُ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْمَثَانِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ، فَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي مِمَّا ثَنَّى بَعْضُ آيِهِ بَعْضًا، وَيَكُونُ الْمَثَانِي جَمْعُ مُثَنَّاةٍ، وَتَكُونُ آيُ الْقُرْآنِ مَوْصُوفَةً بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا تَلَا بَعْضًا بِفُصُولٍ بَيْنَهَا، فَيُعْرَفُ انْقِضَاءُ الْآيَةِ وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ {مَثَانِيَ} [الزمر: 23]؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ كُرِّرَتْ فِيهِ وَالْقَصَصَ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا سُمِّيَتْ مَثَانِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهَا لِمُحَمَّدٍ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأُمَّتِهِ دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب