الباحث القرآني

قوله تعالى: {رُّبَمَا} {رُبَ} : فيها قولان، أحدُهما: أنها حرفُ جرٍّ، وزعم الكوفيون وأبو الحسن وابن الطَّراوة أنها اسم. ومعناها التقليلُ على المشهور. وقيل: تفيد التكثير. وقيل: تفيد التكثير في مواضعِ الافتخار كقوله: 2922 - 0- فيا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خطُّ تِمْثالِ وقد أُجيب عن ذلك: بأنها لتقليل النظير. ودلائلُ هذه الأقوال في النحو. وفيها لغاتٌ كثيرةٌ أشهرها: «رُبَ» بالضم والتشديد، أو التخفيف، وبالثانية قرأ نافع وعاصم. و «رَبَ» بالفتح مع/ التشديد والتخفيف، ورُبْ ورَبْ بالضم والفتح مع السكون فيهما. وتتصل تاءُ التأنيث بكلِّ ذلك، وبالتاء قرأ طلحةُ بن مصرف وزيدُ بن علي: رُبَّتَما. وإذا اتصلت بها التاء جاز فيها الإِسكانُ والفتح كثُمَّت ولات، فتكثر الألفاظ، ولها أحكامٌ كثيرةٌ منها: لزومُ تصديرِها، ومنها تنكيرُ مجرورِها وقوله: 292 - 3- رُبَّما الجامِلِ المُؤَبَّلِ فيهمُ ... وعَنَاجيجُ بينهنَّ المهَارى ضرورةٌ في رواية مَنْ جَرًّ «الجامِل» . وتَجُرُّ ضميراً لازمَ التفسير بنكرةٍ بعده، يُستغنى بتثيِتها وجمعِها وتانيثِها عن تثنية الضمير وجمعِه وتأنيثِه كقولِه « 292 - 4-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ورُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِنْ عَطَبِهْ والمطابقةُ نحو:: رُبَّهما رجلين» نادرةٌ. وقد يُعطف على مجرورِها ما أُضيف إلى ضميرِه نحو: «رُبَّ رجلٍ وأخيه» . وها يلزم وَصْفُ مجرورِها، ومُضِيُّ ما يتعلَّق به؟ خلاف، والصحيحُ عدمُ ذلك. فمِنْ مجيئه غيرَ موصوفٍ قولُ هندٍ: 292 - 5- يا رُبَّ قائلةٍ غداً ... يا لهفَ أمِّ مُعاويهْ ومن مجيء المستقبلِ قولُه: 292 - 6- فإنْ أَهْلَِكْ فربَّ فتىً سيبكيْ ... عليَّ مهذَّبٍ رَخْصِ البَنانِ وقولُها: «يا رُبَّ قائلةٍ غداً» البيت، وقول سليم: 292 - 7- ومعتصمٍ بالحيِّ من خشية الرَّدى ... سيُرْدى وغازٍ مُشْفِقٍ سَيَؤُوب فإنَّ حرف التنفيس و «غداً» خَلَّصاه للاستقبالِ. و «ما» في «رُبما» تحتمل وجهين، أظهرُهما: أنها المهيِّئَةُ، بمعنى: أن «رُبَّ» مختصةٌ بالأسماء، فلمَّا جاءت «ما» هَيَّأت دخولَها على الأفعال. وقد تقدَّم نظيرُ ذلك في «إنَّ» وأخواتها، وتَكُفُّها أيضاً عن العمل كقولِه: 292 - 8- رُبَّما الجامِلُ المُؤَبَّلُ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . في روايةِ مَنْ رَفَعه، كما جَرَى ذلك في كاف التشبيه. والثاني: أنَّ « ما» نكرةٌ موصوفةٌ بالجملةِ الواقعة بعدها، والعائدُ على «ما» محذوفٌ، تقديره: رُبَّ شيءٍ يَوَدُّه الذين كفروا. وقوله: {يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} مَنْ لم يلتزمْ مُضِيَّ متعلِّقِها لم يَحْتَجْ إلى تأويلٍ، ومَنْ التَزَم ذلك قال: لأن المُتَرَقَّب في أخبار الله تعالى واقعٌ لا محالةَ، فعبَّر عنه بالماضي تحقيقاً لوقوعِه، كقوله: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] ونحوِه. قوله: {لَوْ كَانُواْ} يجوز في «لو» أن تكونَ الامتناعيةَ، وحينئذٍ يكون جوابُها محذوفاً. تقديره: لو كانوا مسلمين لسُرُّوا بذلك، أو لَخَلصوا ممَّا هم فيه. ومفعولُ «يَوَدُّ» محذوفٌ على هذا التقديرِ: أي: رُبَّما يودُّ الذين كفروا النجاةَ، دَلَّ عليه الجملةُ الامتناعية. والثاني: أنها مصدرية عند مَنْ يرى ذلك كما تقدَّم تقريرُه في البقرة. وحينئذٍ يكون هذا المصدرُ هو المفعولَ للوَدادة، أي: يَوَدُّون كونَهم مسلمين، إنْ جعلنا «ما» كافةً، وإنْ جعلناها نكرةً كانت «لو» وما في حَيِّزِها بدلاً مِنْ «ما» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب