الباحث القرآني

قوله: {إِن كَانَ للرحمن} : قيل: هي شرطيةٌ على بابِها. واخْتُلِفَ في تأويلِه فقيل: إنْ صَحَّ ذلك فأنا أولُ مَنْ يَعْبُده لكنه لم يَصِحَّ البتةَ بالدليلِ القاطعِ، وذلك أنَّه عَلَّق العبادةَ بكيْنونة الولدِ، وهي مُحالٌ في نفسِها، فكان المُعَلَّقُ بها مُحالاً مثلَها، فهو في صورةِ إثباتِ الكينونةِ والعبادةِ، وفي معنى نَفْيهِما على أَبْلغِ الوجوهِ وأَقْواها، ذكره الزمخشريُّ. وقيل: إن كان له ولدٌ في زَعْمِكم. وقيل: العابدين بمعنى: الآنفين. مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ إذا اشْتَدَّ أَنَفَةً فهو عَبِدٌ وعابِدٌ. ويؤيِّدُه قراءةُ السُّلَميِّ واليماني «العَبِدين» دون ألفٍ. وحكى الخليل قراءةً غريبةً وهي «العَبْدِيْن» بسكون الباءِ، وهي تخفيفُ قراءةِ السُّلَمي فأصلها الكسرُ. قال ابنُ عرفة: «يقال: عَبِدَ بالكسر يَعْبَد بالفتح فهو عَبِد، وقلَّما يقال: عابِد، والقرآن لا يجيْءُ على القليلِ ولا الشاذِّ» . قلتُ: يعني فتخريج مَنْ قال: إنَّ العابدين بمعنى الآنفين لا يَصِحُّ، ثم قال كقول مجاهد. وقال الفرزدق: 4010 - أولئك آبائي فجِئْني بمثْلِهم ... وأَعْبَدُ أنْ أَهْجُوْ كُلَيْباً بدارِمِ أي: آنَفُ. وقال آخر: 4011 - متى ما يَشَأْ ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خليلَه ... ويُعْبَدْ عليه لا مَحالةَ ظالما وقال أبو عبيدة: «معناه الجاحِدين» . يقال: عَبَدَني حَقِّي أي: جَحَدنيه. وقال أبو حاتم: «العَبِدُ بكسر الباءِ: الشديدُ الغَضَبِ» ، وهو معنى حسنٌ أي: إنْ كان له ولدٌ على زَعْمِكم فأنا أولُ مَنْ يَغْضَبُ لذلك. وقيل: «إنْ» نافيةٌ أي: ما كان، ثم أَخْبَرَ بقولِه: {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} وتكونُ الفاءُ سببيةً. ومنع مكي أَنْ تكونَ نافيةً قال: «لأنه يُوْهِمُ أنَّك إنما نَفَيْتَ عن الله الولدَ فيما مضى دونَ ما هو آتٍ، وهذا مُحالٌ» . وقد رَدَّ الناسُ على مكيّ، وقالوا: كان قد تَدُلُّ على الدوامِ كقوله: {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 96] إلى ما لا يُحْصَى، والصحيحُ من مذاهبِ النحاةِ: أنها لا تدُلُّ على الانقطاعِ، والقائلُ بذلك يقولُ: ما لم يكنْ قرينة كالآياتِ المذكورةِ. وتقدَّمَ الخلافُ في قراءَتَيْ: وَلَد ووُلْد في مريم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب