الباحث القرآني

(واخْتَلَفُوا) فِي: اخْتِلاسِ كَسْرَةِ الهَمْزَةِ وإسْكانِها مِن بابِ ﴿بارِئِكُمْ﴾ في المَوْضِعَيْنِ هُنا، وكَذَلِكَ اخْتِلاسُ ضَمَّةِ الراءِ، وإسْكانِها مِن ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾ [البقرة: ٦٧] و﴿تَأْمُرُهُمْ﴾ [الطور: ٣٢] و﴿يَأْمُرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] و﴿يَنْصُرْكُمُ﴾ [آل عمران: ١٦٠] و﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] حَيْثُ وقَعَ ذَلِكَ فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِإسْكانِ الهَمْزَةِ والراءِ في ذَلِكَ تَخْفِيفًا، وهَكَذا ورَدَ النَصُّ عَنْهُ، وعَنْ أصْحابِهِ مِن أكْثَرِ الطُرُقِ، وبِهِ قَرَأ الدانِيُّ في رِوايَةِ الدُورِيِّ عَلى شَيْخِهِ الفارِسِيِّ عَنْ قِراءَتِهِ بِذَلِكَ عَلى أبِي طاهِرِ بْنِ أبِي هاشِمٍ، وعَلى شَيْخِهِ أبِي الفَتْحِ فارِسِ بْنِ أحْمَدَ عَنْ قِراءَتِهِ بِذَلِكَ عَلى عَبْدِ الباقِي بْنِ الحَسَنِ، وبِهِ قَرَأ أيْضًا في رِوايَةِ السُوسِيِّ عَلى شَيْخَيْهِ أبِي الفَتْحِ وأبِي الحَسَنِ، وغَيْرِهِما، وهو الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ لِأبِي عَمْرٍو وبِكَمالِهِ الحافِظُ أبُو العَلاءِ الهَمْدانِيُّ، وشَيْخُهُ أبُو العِزِّ والإمامُ أبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيّاطِ وابْنُ سَوّارٍ، وأكْثَرُ المُؤَلِّفِينَ شَرْقًا وغَرْبًا. رَوى عَنْهُ الِاخْتِلاسَ فِيها جَماعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ، وهو الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ صاحِبُ العُنْوانِ عَنْ أبِي عَمْرٍو مِن رِوايَتَيِ الدُورِيِّ والسُوسِيِّ سِواهُ، وبِهِ قَرَأ الدانِيُّ عَلى شَيْخِهِ أبِي الفَتْحِ أيْضًا عَنْ قِراءَتِهِ عَلى أبِي أحْمَدَ السامَرِّيِّ، وهو اخْتِيارُ الإمامِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُجاهِدٍ، ورَوى أكْثَرُ أهْلِ الأداءِ الِاخْتِلاسَ مِن رِوايَةِ الدُورِيِّ والإسْكانَ مِن رِوايَةِ السُوسِيِّ، وبِهِ قَرَأ الدانِيُّ عَلى شَيْخِهِ أبِي الحَسَنِ، وغَيْرِهِ، وهو المَنصُوصُ في كِتابِ الكافِي، والهِدايَةِ، والتَبْصِرَةِ، والتَلْخِيصِ، والهادِي، وأكْثَرِ كُتُبِ المَغارِبَةِ. وعَكَسَ بَعْضُهُمْ، فَرَوى الِاخْتِلاسَ عَنِ السُوسِيِّ والإسْكانَ عَنِ الدُورِيِّ كالأُسْتاذَيْنِ أبِي طاهِرِ بْنِ سَوّارٍ وأبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيّاطِ في ﴿بارِئِكُمْ﴾، ورَوى بَعْضُهُمُ الإتْمامَ عَنِ الدُورِيِّ نَصَّ عَلى ذَلِكَ الأُسْتاذُ أبُو العِزِّ القَلانِسِيُّ مِن (p-٢١٣)طَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ، وكَذَلِكَ الشَيْخُ أبُو طاهِرِ بْنُ سَوّارٍ، ونَصَّ عَلَيْهِ الإمامُ الحافِظُ أبُو العَلاءِ مِن طَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ عَنْ أبِي الزَعْراءِ، ومِن طَرِيقِ أبِي عَبْدِ اللَهِ أحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الوَرّاقِ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ كِلاهُما عَنِ الدُورِيِّ إلّا أنَّ أبا العَلاءِ خَصَّ ابْنَ مُجاهِدٍ بِتَمامِ ﴿بارِئِكُمْ﴾ وخَصَّ الحَمّامِيَّ بِإتْمامِ الباقِي وأطْلَقَ أبُو القاسِمِ الصَفْراوِيُّ الخِلافَ في الإتْمامِ والإسْكانِ والِاخْتِلاسِ عَنْ أبِي عَمْرٍو بِكَمالِهِ وبَعْضُهم لَمْ يَذْكُرْ ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] وبَعْضُهم لَمْ يَذْكُرْ ﴿يَنْصُرْكُمُ﴾ [آل عمران: ١٦٠]، وذَكَرَ ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ [آل عمران: ٦] ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ﴾ [آل عمران: ٢٨] وبَعْضُهم أطْلَقَ القِياسَ في كُلِّ راءٍ نَحْوَ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٢٨]، و﴿أُنْذِرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٥]، و﴿يُسَيِّرُكُمْ﴾ [يونس: ٢٢]، و﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، وجُمْهُورُ العِراقِيِّينَ لَمْ يَذْكُرُوا ﴿تَأْمُرُهُمْ﴾ [الطور: ٣٢]، و﴿يَأْمُرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وبَعْضُهم لَمْ يَذْكُرْ ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] أيْضًا. (قُلْتُ): الصَوابُ مِن هَذِهِ الطُرُقِ اخْتِصاصُ هَذِهِ الكَلِمِ المَذْكُورَةِ أوَّلًا إذِ النَصُّ فِيها، وهو في غَيْرِها مَعْدُومٌ عَنْهُمْ، بَلْ قالَ الحافِظُ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ: إنَّ إطْلاقَ القِياسِ في نَظائِرِ ذَلِكَ مِمّا تَوالَتْ فِيهِ الضَمّاتُ مُمْتَنِعٌ في مَذْهَبِهِ، وذَلِكَ اخْتِيارِي، وبِهِ قَرَأْتُ عَلى أئِمَّتِي. قالَ: ولَمْ أجِدْ في كِتابِ أحَدٍ مِن أصْحابِ اليَزِيدِيِّ ﴿وَما يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] مَنصُوصًا. (قُلْتُ): قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الإمامُ أبُو بَكْرِ بْنُ مُجاهِدٍ فَقالَ: كانَ أبُو عَمْرٍو يَخْتَلِسُ حَرَكَةَ الراءِ مِن ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] فَدَلَّ عَلى دُخُولِهِ في أخَواتِهِ المَنصُوصَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِن سائِرِ البابِ المَقِيسِ - واللَهُ أعْلَمُ -. وَقالَ الحافِظُ أبُو عَمْرٍو: والإسْكانُ - يَعْنِي في هَذا الكَلِمِ - أصَحُّ في النَقْلِ، وأكْثَرُ في الأداءِ، وهو الَّذِي أخْتارُهُ وآخُذُ بِهِ. (قُلْتُ): وقَدْ طَعَنَ المُبَرِّدُ في الإسْكانِ، ومَنَعَهُ وزَعَمَ أنَّ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو ذَلِكَ لَحْنٌ ونَقَلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ قالَ: إنِ الراوِيَ لَمْ يَضْبِطْ عَنْ أبِي عَمْرٍو لِأنَّهُ اخْتَلَسَ الحَرَكَةَ فَظَنَّ أنَّهُ سَكَّنَ انْتَهى. وَذَلِكَ ونَحْوُهُ مَرْدُودٌ عَلى قائِلِهِ ووَجْهُها في العَرَبِيَّةِ ظاهِرٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ، وهو التَخْفِيفُ وإجْراءُ المُنْفَصِلِ مِن كَلِمَتَيْنِ مُجْرى المُتَّصِلِ مِن كَلِمَةٍ نَحْوَ إبِلٍ، وعَضُدٍ، وعُنُقٍ. عَلى أنَّهم نَقَلُوا أنَّ لُغَةَ تَمِيمٍ تَسْكِينُ المَرْفُوعِ مِن (يَعْلَمُهُمْ) ونَحْوِهِ وعَزاهُ الفَرّاءُ إلى تَمِيمٍ وأسَدٍ مَعَ أنَّ سِيبَوَيْهِ لَمْ يُنْكِرِ الإسْكانَ أصْلًا، بَلْ أجازَهُ وأنْشَدَ عَلَيْهِ: فاليَوْمَ أشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ وَلَكِنَّهُ قالَ: القِياسُ غَيْرُ ذَلِكَ وإجْماعُ الأئِمَّةِ (p-٢١٤)عَلى جَوازِ تَسْكِينِ حَرَكَةِ الإعْرابِ في الإدْغامِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِهِ هُنا وأنْشَدُوا أيْضًا: ؎ رُحْتِ وفي رِجْلَيْكِ ما فِيهِما ∗∗∗ وقَدْ بَدا هَنْكِ مِنَ المِئْزَرِ وَقالَ جَرِيرٌ: ؎ سِيرُوا بَنِي العَمِّ فالأهْوازُ مَوْعِدُكم ∗∗∗ أوْ نَهْرُ تِيرِي فَما تَعرِفْكُمُ العَرَبُ وَقالَ الحافِظُ الدانِيُّ رَحِمَهُ اللَهُ: قالَتِ الجَماعَةُ عَنِ اليَزِيدِيِّ إنَّ أبا عَمْرٍو وكانَ يُشِمُّ الهاءَ مِن ﴿يَهْدِي﴾ [البقرة: ١٤٢] والخاءَ مِن ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] شَيْئًا مِنَ الفَتْحِ. قالَ: وهَذا يُبْطِلُ قَوْلَ مَن زَعَمَ أنَّ اليَزِيدِيَّ أساءَ السَمْعَ إذْ كانَ أبُو عَمْرٍو يَخْتَلِسُ الحَرَكَةَ في ﴿بارِئِكُمْ﴾ و﴿يَأْمُرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] فَتَوَهَّمَهُ الإسْكانَ الصَحِيحَ فَحَكاهُ عَنْهُ لِأنَّ ما ساءَ السَمْعَ فِيهِ وخَفِيَ عَنْهُ لَمْ يَضْبِطْهُ بِزَعْمِ القائِلِ وقَوْلِ المُتَأوِّلِ، وقَدْ حَكاهُ بِعَيْنِهِ وضَبَطَهُ بِنَفْسِهِ فِيما لا يَتَبَعَّضُ مِنَ الحَرَكاتِ لِخِفَّتِهِ، وهو الفَتْحُ فَمُحالٌ أنْ يَذْهَبَ عَنْهُ ويَخْفى عَلَيْهِ فِيما يَتَبَعَّضُ مِنهُنَّ لِقُوَّتِهِ، وهو الرَفْعُ والخَفْضُ قالَ: ويُبَيِّنُ ذَلِكَ ويُوَضِّحُ صِحَّتَهُ أنَّ ابْنَهُ، وأبا حَمْدُونَ وأبا خَلّادٍ وأبا عُمَرَ وأبا شُعَيْبٍ وابْنَ شُجاعٍ رَوَوْا عَنْهُ عَنْ أبِي عَمْرٍو إشْمامَ الراءِ مِن (﴿أرِنا﴾ [النساء: ١٥٣]) شَيْئًا مِنَ الكَسْرِ قالَ: فَلَوْ كانَ ما حَكاهُ سِيبَوَيْهِ صَحِيحًا لَكانَتْ رِوايَتُهُ في (﴿أرِنا﴾ [النساء: ١٥٣]) ونَظائِرِهِ كَرِوايَتِهِ فِي: (﴿بارِئِكُمْ﴾) وبابِهِ سَواءٌ، ولَمْ يَكُنْ يُسِيءُ السَمْعَ في مَوْضِعٍ، ولا يُسِيئُهُ في آخَرَ مِثْلِهِ هَذا مِمّا لا يَشُكُّ فِيهِ ذُو لُبٍّ، ولا يَرْتابُ فِيهِ ذُو فَهْمٍ انْتَهى. وهو في غايَةٍ مِنَ التَحْقِيقِ. فَإنَّ مَن يَزْعُمُ أنَّ أئِمَّةَ القِراءَةِ يَنْقُلُونَ حُرُوفَ القُرْآنِ مِن غَيْرِ تَحْقِيقٍ، ولا بَصِيرَةٍ، ولا تَوْقِيفٍ، فَقَدْ كانَ ظَنَّ بِهِمْ ما هم مِنهُ مُبَرَّءُونَ، وعَنْهُ مُنَزَّهُونَ. وقَدْ قَرَأ بِإسْكانِ لامِ الفِعْلِ مِن كُلٍّ مِن هَذِهِ الأفْعالِ، وغَيْرِها. نَحْوَ﴿يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠] ﴿وَنَحْشُرُهُمْ﴾ [الإسراء: ٩٧] وأحَدُهُما مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ أحَدُ أئِمَّةِ القُرّاءِ بِمَكَّةَ، وقَرَأ مُسْلِمُ بْنُ مُحارِبٍ ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] بِإسْكانِ التاءِ، وقَرَأ غَيْرُهُ ﴿وَرُسُلُنا﴾ [الزخرف: ٨٠] بِإسْكانِ اللامِ. وَتَقَدَّمَ التَنْبِيهُ عَلى هَمْزِ ﴿بارِئِكُمْ﴾ لِأبِي عَمْرٍو إذا خُفِّفَ وأنَّ الصَوابَ عَدَمُ إبْدالِهِ في بابِ الهَمْزِ المُفْرَدِ وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُ الدُورِيِّ عَنِ الكِسائِيِّ في إمالَةِ ألِفِهِ في بابِ الإمالَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب