وقوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ الآية: يريد ب الْحَقُّ آيَتَيِ العَصَا واليد.
وقوله: أَسِحْرٌ هذا: قالت فرقة: هو حكايةٌ عن موسَى عنهم، ثم أخبرهم موسَى عن اللَّه أَنَّ الساحِرِينَ لا يُفلحون، ثم اختلفوا في معنى قول قَوْمِ فرعونَ، فقال بعضهم:
قالها منهم كلُّ مستفهِمٍ جاهلٍ بالأمر، فهو يسأل عنه، وهذا ضعيفٌ، وقال بعضهم: بل قالوا ذلك عَلَى معنى التعظيم للسحْرِ الذي رأَوْهُ، وقالت فرقة: ليس ذلك حكايةً عن موسَى عنهم، وإِنما هو من كلام موسَى، وتقدير الكلامِ: أَتقولون للحَقِّ لما جاءكم سِحْرٌ، ثم ابتدأ يوقِّفهم بقوله: أَسِحْرٌ/ هذا على جهة التوبيخ.
وقولهم: لِتَلْفِتَنا: أي: لتصرفنا وتلوينا وتَرُدَّنا عن دين آبائنا، يقال: لفتَ الرَّجُلُ عُنُقَ الآخَرِ إِذا أَلواه، ومنه قولهم: التفت فَإِنَّهُ افتعل من لفت عنقه إذا ألواه، والْكِبْرِياءُ: مصْدَر من الكِبْرِ، والمراد به في هذا الموضع المُلْك قاله أكثر المتأوِّلين لأنه أعظم تَكَبُّرِ الدنيا، وقرأ أبو عَمْرٍو وحده: «به السّحر» - بهمزة استفهام ممدودةٍ-، وفي قراءة [[ينظر: «السبعة» ص: (328) ، «الحجة» (4/ 289- 290) ، «حجة القراءات» ص: (335) ، «إعراب القراءات» (1/ 272) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 118) ، و «شرح شعلة» (423) ، و «إتحاف» (2/ 118) ، و «العنوان» (105) .]] أُبيٍّ: «مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ» ، والتعريف هنا في السِّحْرِ أَرْتَبُ لأنه تقدَّم منكَّراً في قولهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ، فجاء هنا بلامِ العَهْدِ.
قال ص: قال الفَّرَّاء: إِنما قال: «السِّحْر» ب «أَلْ» ، لأن النكرة إِذا أُعيدَتْ، أُعيدَتْ ب «أَلْ» ، وتبعه ابن عطية [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 135) .]] ، ورُدَّ بأن شرط ما ذكراه اتحاد مدلول النكرةِ المُعَادة كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15، 16] وهنا السِّحْر المنكَّر هو ما أتَى به موسَى، والمعروفُ ما أتَوْا به هُمْ، فاختلف مدلولُهما، والاستفهام هنا: على سبيل التحقِيرِ. انتهى. وهو حَسَن.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ: إِيجاب عن عِدَّةٍ من اللَّه تعالى.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ: يحتمل أنْ يكون ابتداءَ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ويحتملُ أَنْ يكون من كلام موسَى عليه السلام، وكذلك قوله: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ... الآية، محتملٌ للوجهين، وكون ذلك كلُّه من كلام موسَى أقربُ، وهو الذي ذكر [[ذكره الطبري (6/ 590) .]] الطبريُّ، وأما قوله: بِكَلِماتِهِ: فمعناه بكلماته السابقةِ الأزليَّة في الوعد بذلك.
{"ayahs_start":76,"ayahs":["فَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوۤا۟ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","قَالَ مُوسَىٰۤ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَـٰذَا وَلَا یُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ","قَالُوۤا۟ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِینَ","وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِی بِكُلِّ سَـٰحِرٍ عَلِیمࣲ","فَلَمَّا جَاۤءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰۤ أَلۡقُوا۟ مَاۤ أَنتُم مُّلۡقُونَ","فَلَمَّاۤ أَلۡقَوۡا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَیُبۡطِلُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ","وَیُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ"],"ayah":"فَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوۤا۟ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}