الباحث القرآني

وقوله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ... الآية: واختلف في هؤُلاَءِ المنافِقِينَ. فقال ابنُ عَبَّاس: هم قومٌ كانوا بمَكَّة أظهروا الإيمانَ لأصحاب النبيّ ﷺ في كُتُبٍ بَعَثُوا بِهَا إلى المدينةِ، ثم خَرَجُوا مسافِرِينَ إلى الشَّام، وأعطَتْهم قريشٌ بِضَاعَاتٍ، وقالوا لهم: أنتم لا تَخَافُونَ أصْحَاب محمَّد لأنّكم تخدعونهم بإظهار الإيمان، فاتّصل خبرهم بالمدينَةِ، فاختلف المؤمنُونَ فيهم [[أخرجه الطبري (4/ 195) برقم (10060) ، وذكره ابن عطية (2/ 88) ، وابن كثير (1/ 532- 533) ، والسيوطي (2/ 340) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس.]] ، فقالَتْ فرقةٌ: نَخْرُجُ إلَيْهم فإنهم منافقونَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ، لاَ سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِمْ، فنزلَتِ الآية، وعن مجاهدٍ نحوه [[أخرجه الطبري (4/ 194- 195) برقم (10058- 10059) ، وذكره البغوي (1/ 459) ، وابن عطية (2/ 88) ، وابن كثير (1/ 533) ، السيوطي (2/ 340- 341) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] . قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 88) .]] : ويَعْضُدُهُ ما في آخر الآيةِ مِنْ قوله تعالى: حَتَّى يُهاجِرُوا، وقال زيدُ بنُ ثابتٍ: نزلَتْ في عبد اللَّه بْنِ أُبيٍّ وأصحابِهِ المنافِقِينَ الذين رجعوا عن النبيّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، وهو في «صحيحِ البخاريِّ» مسنداً [[أخرجه البخاري (8/ 104- 105) ، كتاب «التفسير» ، باب فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ، حديث (4589) من حديث زيد بن ثابت.]] ، قال ابن العربي في «أحكامه» [[ينظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (1/ 469) .]] ، وهذا القول هو اختيار البخاريِّ والترمذيِّ. انتهى. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 88) .]] : وعلى هذا، فقولُه سبحانَهُ: حَتَّى يُهاجِرُوا المرادُ هَجْرُ ما نَهَى اللَّهُ عنه كما قال- عليه السلام-: «والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى الله عنه» [[أخرجه البخاري (1/ 69) ، كتاب «الإيمان» ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، حديث (10) وفي (11/ 323) كتاب «الرقاق» ، باب الانتهاء عن المعاصي، حديث (6484) ، ومسلم (1/ 65) كتاب «الإيمان» ، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، حديث (64/ 40) من حديث عبد الله بن عمرو.]] ، وفِئَتَيْنِ: معناه: فرقتين، / وأَرْكَسَهُمْ: معناه: أرجعَهُمْ في كُفْرِهِمْ وضَلاَلِهِمْ، والرِّكْس: الرَّجيع ومنه قوله ﷺ في الرَّوْثَةِ: «إنَّهَا رِكْسٌ» [[أخرجه البخاري (1/ 308) ، كتاب «الطهارة» ، باب لا يستنجي بروث، حديث (156) ، والنسائي (1/ 39- 40) كتاب «الطهارة» ، باب الرخصة في الاستطابة بحجر، وابن ماجة (1/ 114) ، كتاب «الطهارة» ، باب الاستنجاء بالحجارة، حديث (314) ، وأحمد (1/ 418) ، وأبو يعلى (9/ 63) برقم (5127) ، وابن المنذر في «الأوسط» (296) ، والبيهقي (2/ 413) من حديث ابن مسعود.]] ، وحكى النضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ والكِسَائِيُّ: رَكَسَ وأَرْكَسَ بمعنًى واحدٍ، أي: أرجَعَهم، ومَنْ قال مِنَ المتأوِّلين: أَهْلَكَهم، أو أضلَّهم، فإنَّما هو بالمعنى، وباقي الآية بَيِّنٌ. قال ص: أَرْكَسَهُمْ، أي: رَدَّهم في الكُفْر. وقال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه» : أَخْبَرَ اللَّه تعالى أنه رَدَّ المنافِقِينَ إلى الكُفْر، وهو الإركَاسُ، وهو عبارةٌ عن الرجُوعِ إلى الحالَةِ المكروهَةِ كما قال في الرَّوْثَةِ: «إنَّهَا رِكْسٌ» ، أيْ: رجَعَتْ إلى حالةٍ مكروهةٍ، فنَهَى اللَّه سبحانَهُ الصحابَةَ أنْ يتعلَّقوا فيهم بظَاهِرِ الإِيمان إذ كان باطنهم الكُفْرَ، وأمرهم بقَتْلهم، حَيْثُ وجَدُوهُم. انتهى. وقولُهُ تعالى: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ... الآية. قال ص: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ: استثناءٌ متَّصِلٌ من مَفْعولِ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ. انتهى. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 90) .]] : هذه الآيةُ مِنْ آياتِ المُوَادَعَةِ في أول الإسلام، ثم نُسِخَتْ بما في سورة «بَرَاءَةَ» فالآيةُ تقتضي أنَّ مَنْ وصَلَ من المشركِينَ الذين لا عهد بينهم، وبين النبيّ ﷺ إلى هؤلاءِ أهْلِ العهدِ، فدخَلَ في عِدَادِهِمْ، وفَعَلَ فِعْلَهم من المُوَادَعَةِ، فلا سَبِيلَ عليه. وقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ: عطْفٌ على يَصِلُونَ، ويحتملُ أنْ يكون على قوله: بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ، والمعنى في العَطْفَينِ مختلفٌ، وهذا أيضاً حُكْمٌ قبل أنْ يستحكم أمْرُ الإسلام، فكان المشرك، إذا اعتزل القتَالَ، وجاء إلى دارِ الإِسلامِ مُسَالماً كارهاً لقتالِ قَوْمِهِ مع المسلِمِينَ، ولقِتَالِ المُسْلمين مع قومه، لا سَبِيلَ عليه، وهذه نُسِخَتْ أيضاً بما في «براءة» ، ومعنى حَصِرَتْ: ضاقَتْ، وحَرِجَتْ ومنه: الحَصَرُ في القَوْل، وهو ضِيقُ الكَلاَم علَى المتكلّم، وحَصِرَتْ: في موضعِ نصبٍ على الحال، واللاَّمُ في قوله: لَسَلَّطَهُمْ جوابٌ «لو» ، والمعنى: ولو شاء اللَّه، لَسَلَّطَ هؤلاءِ الَّذين هُمْ بهذه الصِّفَة من المُسَالَمَة والمُتَارَكَة عليكم، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ، أي: إذا وقَعَ هذا، فلَمْ يقاتِلُوكم، فلا سَبِيلَ لكم عليهم، وهذا كلُّه، والذي في سورة «الممتحنة» : لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ ... [الممتحنة: 8] الآية: منسوخ قاله قتادة وغيره [[ذكره ابن عطية (2/ 91) .]] . والسَّلَمَ: الصّلح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب