الباحث القرآني

وقوله سبحانه: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ ... الآية: اعتراضٌ أثناء وَصْفِ حالِ قول اللَّه لعيسى يوم القيامة، مضمّن الاعتراض إخبار نبيّنا محمّد ﷺ، وأمته بنازلةِ الحواريِّين في المائدة، إذ هي مثالٌ نافعٌ لكلِّ أُمَّة مع نبيِّها تقتدِي بمحاسِنِهِ، وتزدجرُ عمَّا ينفُر منه مِنْ طلب الآياتِ ونحوه، وقرأ الجمهورُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ ربُّك» - بالياءِ ورَفْعِ الباءِ- من «رَبُّكَ» ، والمعنى: هلْ يفعلُ ربُّك هذا، وهلْ تَقَعُ منه إجابةٌ إليه، ولم يكُنْ منهم هذا شَكًّا في قدرة اللَّه سبحَانَهُ إذ هم أعرفُ باللَّه مِنْ أنْ يشكُّوا في قُدْرته، وقرأ الكسائيُّ [[والمعنى على هذه القراءة: هل تقدر يا عيسى أن تسل ربك، فإنهم كانوا مؤمنين، وكانت عائشة تقول: كان القوم أعلم بالله من أن يقولوا: هل يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع ربك. ينظر: «السبعة» (249) ، و «الحجة» (3/ 273) ، و «حجة القراءات» (240- 241) ، و «العنوان» (88) ، و «إعراب القراءات» (1/ 150) ، و «شرح الطيبة» (4/ 239) ، و «شرح الشعلة» (356) ، و «إتحاف» (1/ 545) ، و «معاني القراءات» (1/ 343) .]] : «هلْ تسْتَطِيعُ رَبَّكَ» - بالتاء ونصبِ الباءِ مِنْ «رَبَّكَ» -، والمعنى: هل تَسْتطيعُ سؤَالَ ربِّك، وأدغم اللام في التاء، أعني الكسائيَّ، وقال قومٌ: قال الحواريُّون هذه المقالةَ فِي صَدْر الأمر قبل عِلْمهم بأنه يُبْرِىءُ الأكمه والأبْرَصَ، ويُحْيِي الموتى، ويظهر من قوله- عليه السلام-: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: إنكارٌ لقولهم، واقتراحهم الآياتِ، والتعرُّضِ لسَخطِ اللَّه بها، وقلَّةِ طُمَأْنينتهم إلى ما قد ظهر، ولمَّا خاطبهم- عليه السلام- بهذه المخاطَبَة، صرَّحوا بمقاصدهم الَّتي حملَتْهم على طَلَب المائدةِ، فقالوا: نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها فنَشْرُفَ في العالَم، وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا، أي: تسكُنَ فِكرُنَا في أمرك بالمعايَنَةِ لأَمْرٍ نازلٍ من السماء بأعيننا، وَنَعْلَمَ علْمَ الضرورةِ والمشاهدةِ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا فلا تَعْرِضُنا الشُّبَهُ التي تَعْرِضُ في عِلْم الاستدلالِ وهذا يؤيِّد أنَّ مقالتهم كانَتْ في مبدأ أَمْرهم، ثم استمروا على إيمانهم، وصَبَرُوا، وهَلَكَ مَنْ كَفَر، وقولهم: وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ، أي: من الشاهدينَ بهذه النازلةِ، النَّاقلين لها إلى غيرنا الدَّاعين إلى هذا الشَّرْع/ بسببها، ورُوِيَ أن الذي نَحَا بهم هذا المنحى مِنَ الاقتراح هو أنَّ عيسى قال لهم مرَّةً: «هَلْ لَكُمْ فِي صِيَامِ ثَلاَثِينَ يَوْماً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ إنْ سَأَلْتُمُوهُ حَاجَةً، قَضَاهَا» ، فَلَمَّا صَامُوهَا، قَالُوا: يا معلِّم الخَيْر، إنَّ حقَّ مَنْ عمل عملاً أنْ يُطْعَمَ، فَهَلْ يستطيعُ ربُّكَ، فأرادوا أن تكون المائدة عيد ذلك الصّوم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب