الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ : هذا خطاب للنبيّ ﷺ، والمؤمنون داخلُونَ في الخطاب معه، هذا هو الصحيحُ لأنَّ علَّة النهْي، وهي سماعُ الخَوْض في آياتِ اللَّه، تَشْمَلُهُمْ وإيَّاه، فأُمِرَ النبيُّ ﷺ هو والمؤمنون أنْ ينابذُوا الكُفَّار بالقيام عنهم، إذا استهزءوا وخاضوا ليتأدَّبوا بذلك، ويدَعُوا الخَوْضَ والاستهزاءَ، قلْتُ: ويدلُّ على دخولِ المؤمنينَ مع النبيّ ﷺ في الخطابِ- قولُهُ تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء: 140] . انتهى. والخَوْضُ: أصله في الماءِ، ثم يستعملُ بعدُ في غمرات الأشياء التي هي مجاهلُ تشبيهاً بغَمَرَات الماء. وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ: «إما» : شرط، وتلزمها النونُ الثقيلة في الأغلب، وقرأ ابن عامر [[وحجته ما جاء في البخاري: «ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي» . ينظر: «حجة القراءات» (256) ، و «السبعة» (260) ، و «الحجة» (3/ 324) ، و «إعراب القراءات» (1/ 160) ، و «معاني القراءات» (1/ 363) ، و «العنوان» (91) ، و «شرح الطيبة» (4/ 259) ، و «شرح شعلة» (364) .]] وحده: «يُنَسِّيَنَّكَ» - بتشديدِ السينِ، وفتحِ النونِ-، والمعنى واحدٌ إلا أن التشديد أكثر مبالغةً، والذِّكْرى والذِّكْر واحدٌ في المعنى، ووصْفُهم ب الظَّالِمِينَ متمكِّن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، وفَأَعْرِضْ في هذه الآية: بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض، وأكملِ وجوهه ويدُلُّ على ذلك: فَلا تَقْعُدْ. وقوله سبحانه: وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وروي أنه لما نزلَتْ: فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء: 140] قال المؤمنون: إذا كنا لا نقْرَبُ المشركين، ولا نسمع أقوالهم، فلا يمكننا طَوَافٌ ولا قضاءُ عبادةٍ في الحرمِ، فنزلَتْ لذلك: وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ... الآية. قال ع [[ينظر: «المحرر» (2/ 304) .]] : فالإباحة في هذا هي في القَدْر الذي يحتاجُ إلَيْه من التصرُّف بَيْن المشركين في عبادةٍ ونحوها، وقيل: إن هذه الآية الأخيرةَ ليْسَتْ إباحة بوجه، وإنما معناها: لا تَقْعُدوا معهم، ولا تَقْرَبوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود لأنَّ عليكم شيئاً من حسابهم، وإنما هو ذكرى لكم، ويحتملُ المعنى: ولكنْ ذكرى لعلَّهم إذا جانبتموهم، يتقون بالإمساكِ عن الاستهزاءِ، ويحتمل المعنى: ولكن ذكِّروهم ذكرى، وينبغي للمؤمن أنْ يمتثل حكم هذه الآية مع المُلْحِدِين، وأهْلِ الجدلِ والخَوْضِ فيه، وحكى الطبريُّ [[ينظر الطبري (5/ 225) .]] ، عن أبي جعفر أنه قال: «لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الخُصُومَاتِ فإنَّهُمْ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ [[أخرجه الطبري (5/ 226) برقم (13395) ، وذكره ابن عطية (2/ 305) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 38) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي نعيم في «الحلية» عن أبي جعفر.]] اللَّهِ» ، وفي الحديث، عنه ﷺ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإنْ كَانَ مَازِحاً، وبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقه» ، خَرَّجه أبو داود [[أخرجه أبو داود (2/ 668) كتاب «الأدب» باب في حسن الخلق، حديث (4800) من حديث أبي أمامة مرفوعا.]] . انتهى من «الكوكب الدري» ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ من غير طريقِ أبي داود بلفظ أوضَحَ من هذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب