الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، لما رأَى السحرة من عظيم القدرة ما تيقّنوا به نبوَّة موسى، آمنوا بقلوبهم، وانضاف إِلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفَزَعُ مِنْ قدرة اللَّه عزَّ وجَلَّ، فخرُّوا للَّه سبحانه مُتَطَارِحِينَ قائلين بألسِنَتِهِمْ: آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 440) .]] : وهارونُ أخو موسى أسَنُّ منه بثلاثِ سِنِينَ، وقولُ فرعون: آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ: دليلٌ عَلى وَهَنِهِ، وضَعْف أمره لأنه إِنما جعل ذَنْبَهُمْ عَدَمَ إِذنه، والضمير في «به» يحتمل أن يعود على اسم اللَّه سبحانه، ويحتملُ أنْ يعود على موسى عليه السلام، وعنَّفهم فرعونُ على الإِيمان قبل إِذْنِهِ، ثم ألزمهم أنَّ هذا كان عن اتفاق منهم، وروي في ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، أن موسى اجتمع مع رَئِيس السَّحَرة، واسْمُهُ شَمْعُونُ، فقال له موسى: أَرَأَيْتَ إِنْ غَلَبْتُكُمْ أتؤمنُونَ بي، فقالَ: نَعَمْ، فَعَلِمَ بذلك فرعونُ فلهذا قال: إِن هذا لمكْرٌ مكَرْتُمُوه في المدينة، ثم توعَّدهم [[أخرجه الطبري (6/ 24) برقم: (14963) ، وذكره ابن عطية (2/ 440) ، وابن كثير (2/ 238) .]] . وقوله سبحانه: قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا.. الآية: هذا استسلامٌ مِنْ مؤمني السَّحرة، واتكالٌ على اللَّه سبحانه، وثقةٌ بما عنده، وقرأ الجمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 441) ، و «البحر المحيط» (4/ 366) .]] : «تنْقِمُ» - بكسر القاف-، ومعناه: وما تَعُدّ علينا ذنباً تؤاخذُنا به إِلاَّ أنْ آمنا، قال ابنُ عبَّاس وغيره فيهم: أَصْبَحُوا سَحَرَةً، وَأَمْسَوْا شُهَدَاءَ [[أخرجه الطبري (6/ 25) برقم: (14965) ، وذكره ابن كثير (2/ 238) .]] ، قال ابن عباسٍ: لما آمنت السحرةُ اتبع موسى سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ من بني إِسرائيل [[ذكره ابن عطية (2/ 441) ، والبغوي (2/ 190) .]] ، وقولُ ملإِ فرعونَ: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ ... الآية: مقالةٌ تتضمَّن إِغراء فرعون وتحريضَهُ، وقولُهم: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ، رُويَ أن فرعون كان في زمنه للناس آلهةٌ مِنْ بقرٍ، وأصنامٍ، وغير ذلك، وكان فرعونُ قَدْ شَرَع ذلك، وَجَعل نَفْسَه الإله الأَعلَى فقوله على هذا أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24] إنما يريدُ: بالنَّسْبة إِلى تلك المعبودات. وقيل: إِن فرعون كان يعبد حَجَراً يعلِّقه في صَدْره. كأنه/ ياقوتَةٌ أو نحوها، وعن الحسنِ نحوه، وقوله: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ، المعنى: سنستمرُّ عَلى ما كنا عليه مِنْ تعذيبهم، وقوله: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ، يريد: في المنزلة، والتمكّن من الدنيا، وقاهِرُونَ: يقتضي تحقير أمرهم، أي: هم أقلُّ من أن يُهتمَّ بهم. قلت: وهذا من عَدُوِّ الله تجلُّدٌ، وإِلاَّ فقد قال فيما أخبر الله سبحانه به عنه: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ [الشعراء: 54، 55، 56] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب