وقوله سبحانه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ ... الآية: خَلَفَ معناه:
حَدَثَ خَلْفَهم وبعدهم، وخَلْفٌ- بإِسكان اللام- يستعمل في الأشهر: في الذَّمِّ.
وقوله سبحانه: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى إشارةٌ إلى الرّشا والمكاسب الخبيثة، والعَرَضُ: ما يَعْرِضُ وَيعنُّ، ولا يثبُتُ، والأَدنَى: إِشارةٌ إِلَى عيشِ الدنيا، وقولهم:
سَيُغْفَرُ لَنا ذمٌّ لهم باغترارهم، وقولهِمْ سَيُغْفَرُ لَنا، مع علمهم بما في كتاب اللَّهِ، مِنَ الوعيد على المعاصي، وإِصرارِهِم، وأنَّهم بحالٍ إِذا أمكنَتْهم ثانيةً ارتكبوها، فهؤلاء عَجَزَةٌ كما قال النبيّ ﷺ: «والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وتمنى عَلَى اللَّهِ» [[أخرجه الترمذي (4/ 638) كتاب «صفة القيامة» باب: (25) ، حديث (2459) ، وابن ماجه (2/ 1423) كتاب «الزهد» باب: ذكر الموت والاستعداد له، حديث (7143) ، وأحمد (4/ 124) ، والحاكم (1/ 57) ، وابن المبارك في «الزهد» ص: (56) برقم: (171) ، والبيهقي (3/ 369) كتاب «الجنائز» باب:
ما ينبغي لكل مسلم أن يستعمله من قصر الأمل، وفي «شعب الإيمان» (7/ 350) برقم: (10546) ، والطبراني في «الكبير» (7/ 341) برقم: (7143) ، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 267) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 50) ، والقضاعي في «مسند الشهاب» برقم: (185) ، كلهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن شداد بن أوس مرفوعا.
وقال الترمذي: حديثٌ حَسَن. وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرط البخاري ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي فقال: لا والله، أبو بكر واه.]] ، فهؤلاءِ قطعوا بالمغفرة وهم مُصِرُّون، وإِنما يقول: سَيُغْفَرُ لَنا مَنْ أقلع ونَدِمَ.
وقوله سبحانه: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ ... الآية: تشديدٌ في لزوم قول الحقِّ على اللَّه في الشَّرْع والأحكام، وقوله: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ معطوفٌ على قوله: أَلَمْ يُؤْخَذْ لأنه بمعنى المُضِيِّ، والتقديرُ: أَلَيْسَ قد أُخِذَ عليهم ميثاقُ الكتابِ، ودَرَسُوا ما فيه، وبهذَيْنِ الفعْلَيْنِ تقومُ الحجَّة عليهم في قولهم الباطَل، وقرأ أبو عبد [[وهي قراءة علي بن أبي طالب كما في «الشواذ» ص: (52) .
وينظر: «المحتسب» (1/ 267) ، و «المحرر الوجيز» (2/ 473) ، و «البحر المحيط» (4/ 415) ، و «الدر المصون» (3/ 367) .]] الرحمن السُّلَمِيُّ: «وادارسوا مَا فِيه» .
ثم وعظ وذكَّر تبارَكَ وتعالى بقوله: وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ، وقرأ أبو عمرو: «أفلا يعقلون» - بالياء [[وقرأ بها حمزة والكسائي، وابن كثير.
ينظر: «حجة القراءات» (301) ، و «المحرر الوجيز» (2/ 473) ، و «البحر المحيط» (4/ 415) ، و «الدر المصون» (3/ 367) .]] من أسفل-.
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ عطْفٌ على قوله: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، وقرأ عاصمٌ وحْده في رواية أبي بَكْرٍ «يُمْسِكُونَ» [[وقراءة أبي بكر من الإمساك، أي: يأخذون بما فيه من حلال وحرام. وحجته قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة: 4] ، وقوله: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب: 37] ولم يقل: مسّك.
ينظر: «السبعة» (297) ، و «الحجة» (4/ 102- 103) ، و «إعراب القراءات» (1/ 214) ، و «حجة القراءات» (301) ، و «شرح الطيبة» (4/ 314) ، و «العنوان» (98) ، و «معاني القراءات» (1/ 428) ، و «شرح شعلة» (398) .]] - بسكون الميم، وتخفيف السين-، وقرأ الأعمش [[وقرأ بها عبد الله، كما في «الكشاف» (2/ 175) ، وينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 473) ، و «البحر المحيط» (4/ 416) ، و «الدر المصون» (3/ 368) .]] : «والّذين استمسكوا» .
{"ayahs_start":169,"ayahs":["فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفࣱ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضࣱ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ","وَٱلَّذِینَ یُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ"],"ayah":"فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفࣱ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضࣱ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}