الباحث القرآني

وقوله سبحانه: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ. القصد تعديد نعمه سبحانه على المؤمنين في يوم بَدْرٍ، والتقدير: اذكروا إذ فعلنا بكم كذا، وإذ فعلنا كذا، والعامل في «إذ» «اذكروا» وقرأ نافع: «يُغْشِيكُم» - بضم [[ينظر: «السبعة» (304) ، «الحجة» (4/ 125) ، «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 77) ، «حجة القراءات» (308) ، «إعراب القراءات» (1/ 222) ، «النشر» (2/ 276) ، و «شرح الطيبة» (4/ 324) ، و «شرح شعلة» (405) ، و «معاني القراءات» (1/ 437) .]] الياء، وسكون الغين- وقرأ حمزة وغيره: يُغَشِّيكُمُ- بفتح الغين وَشَدِّ الشين المكسورة، وقرأ ابن كثير وغيره: «يَغْشَاكم» - بفتح الياء وألف بعد الشين- «النُّعَاسُ» بالرفع، ومعنى يُغَشِّيكُمُ: يغطيكم، والنُّعَاسُ أَخَفُّ النوم، وهو الذي يصيب الإِنْسَانَ، وهو واقف أو مَاشٍ، وينص على ذلك قَصَصُ هذه الآية أنهم إنما كان بهم خَفْقٌ بالرُّؤُوس، وقوله: أَمَنَةً مصدر من أَمِنَ يَأْمَنُ أَمْنَاً وأَمَنَةً وأَمَاناً، والهاء فيه لتأنيث المصدر، كما هي في المَسَاءَةِ والحَمَاقَةِ والمَشَقَّةِ. وروي عن ابن مَسْعُودٍ أنه قال: النُّعَاسُ عند حضور القِتَالِ عَلاَمَةُ أمن، وهو من اللَّه، وهو في الصَّلاَةِ من الشيطان [[أخرجه الطبري (6/ 192) برقم: (15771- 15772- 15773) ، وذكره ابن عطية (2/ 506) ، والبغوي (2/ 234) ، وابن كثير (2/ 291) .]] . قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 506) .]] : وهذا إنما طريقه الوَحْيُ، فهو لا مَحَالَةَ يسنده وقوله سبحانه: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ. وذلك أن قَوْماً من المؤمنين لحقتهم جَنَابَاتٌ في سفرهم، وعدموا المَاءَ قَرِيبَ بَدْرٍ، فصلوا كذلك، فَوَسْوَسَ الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العَدُوِّ وقلتهم، وأيضاً فكانت بينهم وبين مَاءِ بَدْرٍ مَسَافَةٌ، من رمل دَهْسٍ [[رمل أدهس بيّن الدّهس، والدّهاس من الرمل: ما كان كذلك لا ينبت شجرا، وتغيب فيه القوائم ... وقيل: ما سهل ولان من الأرض، ولم يبلغ أن يكون رملا. ينظر: «لسان العرب» (1441) ، و «النهاية» (2/ 145) .]] تَسُوخُ [[أي: غاصت في الأرض. ينظر: «اللسان» (2141) .]] فيها الأَرْجُلُ، فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكُفَّارُ إلى ماء بدر، فأنزل اللَّه تلك المَطَرَةَ فَسَالَتِ الأودية، فاغتسلوا، وطهرهم اللَّه تعالى فذهب رِجْزُ الشيطان، وَتَدَمَّثَ [[الدّمث: السهول من الأرض، الواحدة دمثة، وهو أيضا المكان اللين ذو رمل، ودمّث الشيء: إذا مرسه حتى يلين. ينظر: «لسان العرب» (1418- 1419) .]] الطريق، وتَلَبَّدَتْ [[أي: صارت قوية لا تسوخ فيها الأرجل. ينظر: «لسان العرب» (3984) .]] تلك الرِّمَالُ، فسهل اللَّه عليهم السير، وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماءَ بَدْرٍ، وأصاب المشركين من ذلك المَطَرَ ما صَعَّبَ عليهم طريقهم، فسر المؤمنون، وتبينوا من فِعْلِ اللَّه بهم ذلك قَصْدَ المعونة لهم، فطابت نفوسهم، واجتمعت، وتَشَجَّعَتْ، فذلك الرَّبْطُ على قلوبهم، وتثبيت أقدامهم على الرملة اللَّيِّنَةِ. والضمير في «به» على هذا الاحتمال عَائِدٌ على الماء، ويحتمل عَوْدُهُ على رَبْطِ القلوب، ويكون تثبيت/ الأقدام عِبَارَةً عن النصر والمعونة في مَوْطِنِ الحَرْبِ، ونزول الماء كان في الزمن قبل تَغْشِيَةِ النعاس، ولم يترتب كذلك في الآية، إذ القَصْدُ فيها تَعْدِيدُ النعم فقط. وقوله سبحانه: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وتثبيتهم يكون بقتالهم، وبحضورهم، وبأقوالهم المُؤْنِسَةِ، ويحتمل أن يكون التَّثْبِيتُ بما يلقيه المَلَكُ في القلب بِلَمَّتِهِ من تَوَهُّمِ الظَّفَرِ، واحتقار الكفار، وبخواطر تشجعه. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 508) .]] : ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وعلى هذا التأويل يجيء قوله: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ مخاطبة للملائكة، ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين. وقوله سبحانه: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ قال عكرمة: هي على بابها، وأراد الرؤوس [[أخرجه الطبري (6/ 197) برقم: (15800) نحوه، وذكره ابن عطية (2/ 508) ، والبغوي (2/ 235) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 313) .]] ، وهذا أنبل الأقوال. قال ع» : ويحتمل عندي أن يريد وَصْفَ أبْلَغِ ضربات العنق وأحكمها، وهي الضربة التي تكون فَوْقَ عَظْمِ العنق دون عَظْمِ الرأس في المفصل، كما وصف دريد بن الصِّمَّة [[دريد بن الصمة الجشمي البكري، من هوازن: شجاع، من الأبطال، الشعراء، المعمرين في الجاهلية، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم، وغزا نحو مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها، وعاش حتى سقط حاجباه عن عينيه، وأدرك الإسلام، ولم يسلم، فقتل على دين الجاهلية «يوم حنين» ، وكانت هوازن خرجت لقتال المسلمين فاستصحبته معها تيمنا به، وهو أعمى، فلما انهزمت جموعها أدركه ربيعة بن رفيع السلميّ فقتله، له أخبار كثيرة، والصمة لقب أبيه معاوية بن الحارث. ينظر ترجمته في: «الأعلام» (2/ 339) (4164) .]] ، فيجيء على هذا فوق الأَعْنَاقِ متمكناً. والبَنَان: قالت فرقة: هي المَفَاصِلُ حيث كانت من الأعضاء. وقال فرقة: البنان الأصابع، وهذا هو الصحيح لأنه إذا قطع البنان لم ينتفع صَاحِبُهُ بشيء من أعضائه واستأسر. واقُّوا : معناه خالفوا ونَابَذُوا، وقطعوا، وهو مأخوذ من الشَّقِّ، وهو القَطْعُ والفَصْلُ بين شيئين، وعبر المفسرون عن قوله: اقُّوا أي: صاروا في شق غير شقه. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 509) .]] : وهذا وإن كان معناه صَحِيحاً، فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه، وقوله: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ جَوَابٌ للشرط، تضمن وَعِيداً وتهديدا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب