وقوله سبحانه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أي: ومن المنافقين، ويُؤْذُونَ: لفظ يعمّ أنواع إذاءتهم له ﷺ، وخص بعد ذلك مِنْ قولهم: هُوَ أُذُنٌ، وروي أن قائل هذه المقالة نَبْتَلُ بْنُ الحارثِ، وكان من مَرَدَةِ المنافقين، وفيه قال ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّيْطَانِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الحَارِثِ» [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 116) بسنده عن ابن إسحاق، فذكره بلاغا. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (3/ 253) ، عن ابن عباس موصولا.]] ، وكان ثائر الرأس، منتفشَ الشَّعْر، أحمر العينَيْن، أسْفَع الخدَّيْن، مشوَّهاً.
قال الحسن البصريُّ ومجاهد: قولهم: هُوَ أُذُنٌ: أي: يسمع معاذيرنا ويقبلها [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 406) برقم: (16917- 16918- 16919) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 52) ، وابن كثير (2/ 366) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 454) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة.]] ، أي: فنحن لا نُبَالِي من الوقوع فيه، وهذا تنقُّص بقلَّة الحزم، وقال ابن عبَّاس وغيره: إِنهم أرادوا بقولهم: هُوَ أُذُنٌ: أي: يسمع كلَّ ما ينقَلُ إِليهِ عنا، ويصغَي إِليه [[أخرجه الطبري (6/ 405- 406) برقم: (16916) ، وذكره ابن عطية (3/ 52) ، وابن كثير (2/ 366) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 454) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.]] ويقبله، فهذا تَشَكٍّ منه عليه السلام، ومعنى أُذُنٌ: سماع، وهذا من باب تسمية الشيْء بالشيء، إِذا كان منْهُ بسبب كما يقال للرؤية: عيْن وكما يقال للمسنَّة من الإِبل التي قد بَزَلَ نابها:
نَاب.
وقيل: معنى الكلامِ: ذو أُذُنٍ، أَي: ذو سماع، وقيل: إِنه مشتقٌّ من قولهم: أَذِنَ إِلَى شَيْءٍ إِذا استمع ومنه قول الشاعر: [البسيط]
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه ... وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
وقرأ نافع: «أذن» - بسكون الذال فيهما-، وقرأ الباقون [[وكأن نافعا استثقل ثلاث ضمات فسكّن.
ينظر: «السبعة» (315) ، «الحجة للقراء السبعة» (4/ 198، 203) ، «حجة القراءات» ص: (319) ، «إعراب القراءات» (1/ 250) ، «إتحاف» (2/ 94) ، و «العنوان» (102) ، و «شرح شعلة» (412) .]] بضمِّها فيهما، وكلُّهم قرأ بالإِضافة إِلى «خير» إِلا ما رُوِيَ عن عاصمٍ، وقرأ الحسن [[وقرأ بها عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر عنه. والمعنى حينئذ: «قل يا محمد فمن يستمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم» .]] وغيره: «قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ» - بتنوين «أُذن» ، ورفع «خير» -، وهذا جار على تأويله المتقدِّم، والمعنى: من يقبل معاذيركم خيرٌ لكم، ورُوِيَتْ هذه القراءة عن عاصمٍ، ومعنى «أذن خيرٍ» على الإِضافة: أي سَمَاعُ خيرٍ وحقٍّ، ويُؤْمِنُ بِاللَّهِ: معناه: يصدِّق باللَّه، وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: قيل: معناه: ويصدِّق المؤمنين، واللام زائدة، وقيل: يقال: آمَنْتُ لك، بمعنى: صدَّقتك ومنه: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: 17] .
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 53) .]] : وعندي أن هذه التي معها اللامُ في ضِمْنها بَاءٌ، فالمعنَى: ويصدِّق للمؤمنين بما يخبرونه به، وكذلك قوله: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا بِمَا نَقُوله.
ت: ولما كانَتْ أخبار المنافقين تصلُ إِلى النبيّ ﷺ تارةً بإِخبار اللَّه له، وتارةً بإِخبار المؤمنين، وهم عدولٌ، ناسب اتصال قوله سبحانه: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ بما قبله، ويكون التصديقُ هنا خاصًّا بهذه القضيَّة، وإِن كان ظاهر اللفظ عامّا إذ من المعلوم أنه ﷺ لم يَزَلْ مصدِّقاً باللَّه، وقرأ جميع السبعة إِلاَّ حمزة و «رَحْمَةٌ» - بالرفع- عطفاً على «أُذُن» ، وقرأ حمزة وحْده: و «رَحْمَةٍ» - بالخفض- عطفاً على «خَيْرٍ» ، وخصَّص الرحمة للذين آمنوا إِذ هم الذين فازوا ونَجْوا بالرسول عليه السلام، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ: يعني: المنافقين.
وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ: التقدير عند سيبَوَيْهِ: واللَّه أحقُّ أَن يرضوه، ورسوله أحَقُّ أن يرضُوه، فحذف الخَبَر من الجملة الأولَى، لدلالة الثانية عليه.
وقيل: الضمير في «يرضوه» عائدٌ على المذكور كما قال رُؤْبَةُ: [الرجز]
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الجلد توليع البهق [[ينظر: «ديوانه» ص: (104) و «أساس البلاغة» ص: (509) (ولع) و «الأشباه والنظائر» (5/ 63) ، و «تخليص الشواهد» ص: (53) و «خزانة الأدب» (1/ 88) ، و «شرح شواهد المغني» (2/ 764) ، و «لسان العرب» (8/ 411) (ولع) ، (10/ 29) (بهق) ، و «المحتسب» (2/ 154) ، و «مغني اللبيب» (2/ 678) وبلا نسبة في «شرح شواهد المغني» (2/ 955) .]]
أي: كأنّ المذكور.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱلنَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنࣱۚ قُلۡ أُذُنُ خَیۡرࣲ لَّكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ وَرَحۡمَةࣱ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِیُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَحَقُّ أَن یُرۡضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱلنَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنࣱۚ قُلۡ أُذُنُ خَیۡرࣲ لَّكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ وَرَحۡمَةࣱ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}