الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الذين آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ الآية. حرّم الله في هذه الآية أن تُقْرَبَ الصَّلاةُ في حال سكر. فَفُهِمَ من الخطاب جوازُ السُّكْرِ في غير الصلاة. ومفهوم الخطاب كَنَصِّ القرآن يُعْمَلُ به ويقطع على مغيبه فَنَسَخَ ما أباح المفهومُ مِن الآية من جواز شُرْبِ المسكر في غير الصَّلاة بتحريم المسكر. فالبيِّنُ في هذا أن يكونَ أُريدَ به السُّكْرُ مِن المسكر قبل تحريمه، ثم نُسِخَ وحُرِّم. وقد روى أبو مَيْسَرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نَزَلَتْ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنتُمْ سُكارَى﴾ كان منادي رسول الله ﷺ إذا أقام الصَّلاةَ نادى: لا يقربَنَّ الصَّلاةَ سكران. وقد قال عكرمة: إن قوله: ﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ نسخه قولُه: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: 6] الآية. يريد أنه كان أُبيحَ لَهُم أن يُؤَخِّروا الصلاةَ في حال السُّكْر حتى يزولَ السُّكر، إذ كانت الخمرُ غيرَ مُحَرَّمة، ثم نُسِخَ ذلك فأُمروا بالصلاة على كل حال، ونُسِخَ شُرْبُ المسكر بقوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُونَ﴾ [المائدة: 91]، وبقوله: ﴿فاجْتَنِبُوه﴾ [المائدة: 91]، فنسخَ ما فُهِمَ مِن الخطاب بتحريم الخمر في قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُون﴾. وهذا قولُ أَكثرِ العُلماء. وقيل: الآيةُ مُحْكَمة، ومعنى السُّكْر فيها: السُّكْر من النوم لا من المسكر، وهو قول الضحاك وزيد بن أسلم. ويجب أن يكونَ المفهومَ من الخطاب على هذا القول (جوازُ قربانها) بسُكْر غير سُكْرِ النوم، ثم نُسِخَ هذا المفهوم بتحريم المسكر والسُّكْر بقوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُون﴾. ومن مفهوم الآية أيضاً جوازُ قرب الصَّلاة في غير حال السُّكْرِ جوازاً عاماً بغير شرط وضوء ولا غُسْل، فنسخ ذلك آيةُ الوضوء والغُسْلِ في المائدة، وصار الفرضُ المحكم أَلاَّ تُقْرَبَ الصَّلاةُ إلا في غير حال سكر بوضوء وطُهر، ويجوز أن يكون ذلك بياناً (وتفسيراً لآية النساء)، وليس بنسخ المفهوم منها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب