الباحث القرآني

* الإعراب: (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) الواو عاطفة وجاءت كل نفس فعل وفاعل ومعها ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم وسائق مبتدأ مؤخر وشهيد عطف على سائق والجملة الاسمية في محل رفع صفة لكل أو في محل نصب صفة لها أي معها من يسوقها ويشهد عليها ولك أن تجعلها حالية (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) الجملة مقول قول محذوف أي يقال لكل نفس واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وكان واسمها وفي غفلة خبرها ومن هذا متعلقان بغفلة والفاء حرف عطف وكشفنا فعل وفاعل وعنك متعلقان بكشفنا وغطاءك مفعول به والفاء عاطفة وبصرك مبتدأ واليوم ظرف متعلق بمحذوف حال وحديد خبر بصرك (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) الواو عاطفة وقال قرينه فعل وفاعل والمراد بالقرين الملك الموكل به أو الشيطان الذي سوّل له الشر وهذا مبتدأ وما يجوز أن تكون نكرة موصوفة وعتيد صفتها ولدي ظرف متعلق بعتيد أي هذا شيء عتيد لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون لدي وصفا لما وعتيد صفة ثانية أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو عتيد ويجوز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ولدي صلتها وعتيد خبر الموصول والموصول وصلته خبر اسم الإشارة ويجوز أن تكون ما بدلا من هذا موصولة أو موصوفة بلدي وعتيد خبر هذا، وجوّز الزمخشري في عتيد أن يكون بدلا أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وفيما يلي نص إعراب الزمخشري قال: «فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت ما موصوفة فعتيد صفة لها وإن جعلتها موصولة فهو بدل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف» . وقال أبو البقاء: «قوله تعالى: هذا مبتدأ وفي ما وجهان أحدهما هي نكرة وعتيد صفتها ولدي معمول عتيد ويجوز أن يكون لدي صفة أيضا فيتعلق بمحذوف وما وصفتها خبر هذا والوجه الثاني أن تكون ما بمعنى الذي فعلى هذا تكون ما مبتدأ ولدي صلة وعتيد خبر ما والجملة خبر هذا ويجوز أن تكون ما بدلا من هذا ويجوز أن يكون عتيد خبر مبتدأ محذوف ويكون ما لدي خبرا عن هذا أي هو عتيد ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال» . (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) الجملة مقول قول محذوف أي يقال ألقيا، وألقيا فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين، قيل خاطب الملكين السائق والشهيد وقيل هو خطاب للواحد وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع فمن ذلك قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقول الآخر: فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن ترعياني أحم عرضا ممنعا خاطب الواحد خطاب الاثنين وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ويجوز أن يكون المراد به ألق ألق وقف قف فإلحاق الألف أمارة دالّة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: رب ارجعون، والمراد منه أرجعني أرجعني أرجعني فجعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا وقيل أراد ألقين وأراد امرؤ القيس فقن على جهة التأكيد فقلب النون ألفا في حال الوصل لأن هذه النون تقلب أيضا في حال الوقف فحمل الوصل على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى «لنسفعن» قلت: لنسفعا ومنه قول الأعشى: وصلّ على حين العشيات والضحى ... ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا أراد فاحمدن فقلب نون التوكيد ألفا. وفي جهنم متعلقان بألقيا وكلّ كفّار مفعول به وعنيد صفة لكفّار (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) صفات متتابعة (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) الذي يجوز أن يكون بدلا من كل فيكون في محل نصب أو بدلا من كفّار فيكون في محل جر وأن يكون منصوبا على الذم وأن يكون مبتدأ فيكون في محل رفع وجملة جعل صلة ومع الله ظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان وإلها آخر مفعول به أول والفاء رابطة لشبه الموصول بالشرط في العموم، وألقياه فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة خبر الذي إذا جعلت خبرا والأول أرجح وفي العذاب متعلقان بألقياه والشديد نعت للعذاب (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) قال قرينه فعل وفاعل وربنا منادى مضاف وما نافية وأطغيته فعل وفاعل ومفعول به ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفّف وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو وفي ضلال متعلقان بمحذوف خبر كان وبعيد صفة لضلال وجملة قال قرينه مستأنفة ولذلك جاءت بلا واو، قال الزمخشري: «فإن قلت لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى قلت لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون فإن قلت: فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه هذا ما لديّ عتيد، وتبعه قوله: قال ربنا ما أطغيته، وتلاه: لا تختصموا لديّ، علم أن ثم مقاولة من الكافر لكنها طرحت لما يدل عليها كأنه قال رب هو أطغاني فقال قرينه ربنا ما أطغيته، وأما الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له» (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) لا ناهية وتختصموا فعل مضارع مجزوم والجملة مقول القول ولدي ظرف متعلق بتختصموا والواو للحال وقد حرف تحقيق وقدمت فعل وفاعل وإليكم متعلقان بقدمت والباء في بالوعيد مزيدة مثلها في ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أو معدية، على أن قدم مطاوع بمعنى تقدم ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله ما يبدل القول لدي وما أنا بظلّام للعبيد ويكون بالوعيد حالا أي قدمت إليكم هذا ملتبسا بالوعيد مقترنا به أو قدمته إليكم موعدا لكم به (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ما نافية ويبدل فعل مضارع مبني للمجهول والقول نائب فاعل ولدي ظرف متعلق بيبدل والواو حرف عطف وما نافية حجازية وأنا اسمها والباء حرف جر زائد وظلّام مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما وللعبيد متعلقان بظلّام (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) يوم لك في ناصبه وجهان: أن تجعله منصوبا باذكر مقدّرا أو تعلقه بظلام لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفى الظلم عنه في غيره أولى وجملة نقول لجهنم في محل جر بإضافة الظرف إليه وجملة هل امتلأت مقول القول وتقول عطف على نقول وهل حرف استفهام ومن حرف جر زائد ومزيد مجرور لفظا مرفوع على الابتداء محلا وخبره محذوف تقديره موجود. * البلاغة: 1- في قوله «فكشفنا عنك غطاءك» كناية عن الغفلة كأنها غطّت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر، فإذا كانت القيامة زالت عنه الغفلة فتكشفت له الحقائق وانجلى عنه الرين الذي كان مسدولا أمامه فأبصر ما لم يكن يبصره في حياته، ويجوز أن يكون الغطاء استعارة تصريحية جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا. 2- الاستعارة المكنية: يجوز حمل قوله تعالى «يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد» على الاستعارة المكنية التخييلية، وعلى هذا درج المعتزلة ومن قال بقولهم من أهل السنّة، قال الزمخشري: «وسؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى في القلب وتثبيته، وفيه معنيان أحدهما أنها تمتلئ مع اتساعها وتباعد أطرافها حتى لا يسعها شيء ولا يزاد على امتلائها لقوله تعالى: لأملأنّ جهنم، والثاني أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد، ويجوز أن يكون هل من مزيد استكثارا للداخلين فيها أو طلبا للزيادة غيظا على العصاة والمزيد إما مصدر كالمحيد والمحيد وإما اسم مفعول كالمبيع» ويجوز حمله على الحقيقة، وقد جرى جمهور أهل السنّة على الحقيقة وأنكروا على الزمخشري وغيره إطلاق التخييل وقالوا هو منكر لفظا ومعنى. أما لفظا فلأنه من الألفاظ الموهمة في حق جلال الله تعالى وإن كانت معانيها صحيحة وأيّ إيهام أشد من إيهام لفظ التخييل، ألا ترى كيف استعمله الله فيما أخبر أنه سحر وباطل في قوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فلا يشك في وجوب اجتنابه، وأما المعنى فلأن أهل السنّة يعتقدون أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. هذا وقد تعلق الشعراء بأهداب هذه البلاغة العالية وكان أول من رمق سماءها الفرزدق إذ قال في زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب في قصيدته التي أولها: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم فقال: يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم وتبعه أبو تمام: لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ... لخرّ يلثم منه موطئ القدم وأخذه البحتري وأجاد: فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في سعة لسعى إليك المنبر ونهج المتنبي هذا النهج بقوله: لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدّت محيّية إليك الأغصنا أما في الجاهلية فقد ورد هذا المعنى في قول عنترة واصفا فرسه من معلقته: فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم هذا ولا يفوتنّك ما في هذه الاستعارة من جمال التخييل الحسّي والتجسيم لجهنم المتغيظة والنهمة التي لا تشبع وقد تهافت عليها أولئك الذين كانوا يصمّون في دنياهم آذانهم عن الدعوة إلى الهدى، ويصرّون على غيّهم ولجاجهم وها هم الآن يستجيبون لدعوتها مرغمين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب