الباحث القرآني

نظير أعطيت زيداً درهماً. فزيد هو الفاعل، لأنه آخذ للدرهم. وقوله: «وَبِئْسَ المَصِير» المخصوص بالذم محذوف تقديره: وبئس المصير هي النار. فصل والمعنى: أن الذي ينالكم من النار أعظم مما ينالكم عند تلاوة هذه الآيات من الغضب والغم، وهي النار وعدها الله الذين كفروا إذا ماتوا على كفرهم وبئس المصير هي. قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ﴾ الآية لما بين أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم به ولا علم ذكر هاهنا ما يدل على إبطال قولهم. قوله: «ضُرِبَ مَثَلٌ» قال الأخفش: ليس هذا مثل وإنما المعنى جعل الكفارُ لله مثلاً. قال الزمخشري: فإن قلت: الذي جاء به ليس مثلاً، فكيف سماه مثلاً؟ قلت قد سميت الصفة والقصة الرائعة المتلقاة بالامتحان والاستغراب مثلاً تشبيهاً لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستغربة مستحسنة. وقيل: معنى «ضَرَبَ» جعل، كقولهم: ضَرَبَ السلطان البَعْثَ، وضرب الجِزْيَة على أهل الذمة. ومعنى الآية: فجعل لي شَبَهٌ وشُبِّه بي الأوثان، أي: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها. وقيل: هو مثل من حيث المعنى، لأنه ضرب مثل من يعبد الأصنام بمن يعبد ما لا يخلق ذباباً. «فَاسْتَمِعُوا لَه» أي: فتدبروه حق تدبره لأن نفس السماع لا ينفع، وإنما ينفع بالتدبر. قوله: ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ﴾ قرأ العامة «تَدْعُونَ» بتاء الخطاب والحسن ويعقوب وهارون ومحبوب عن أبي عمرو بالياء من تحت وهو في كلتيهما مبني للفاعل. وموسى الأسواري واليماني «يُدْعَوْنَ» بالياء من أسفل مبنياً للمفعول. والمراد الأصنام. فإن قيل: قول «ضُرِبَ» يفيد فيما مضى، والله تعالى هو المتكلم بهذا الكلام ابتداء فالجواب: إذا كان ما يورد من الوصف معلوماً من قبل جاز ذلك فيه، ويكون ذكره بمنزلة إعادة أمر تقدم. قوله: «لَنْ يَخْلُقُوا» . جعل الزمخشري نفي «لَنْ» للتأبيد وتقدم البحث معه في ذلك. والذباب معروف، وهو واحد، وجمعه القليل: أذِبَّة، وفيه الكسرة، ويجمع على ذِبَّان وذُبَّان بكسر الذال وضمها وعلى ذُبّ. والمِذَبَّة ما يطرد بها الذباب. وهو اسم جنس واحدته ذبابة تقع للمذكر والمؤنث فتفرد بالوصف. قوله: ﴿وَلَوِ اجتمعوا لَهُ﴾ قال الزمخشري: نصب على الحال كأنه قال يستحيل خلقهم الذباب حال اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه فكيف حال انفرادهم. وقد تقدم أن هذه الواو عاطفة هذه الجملة الحالية على حال محذوفة، أي: انتفى خلقهم الذباب على كل حال ولو في هذه الحالة المقتضية لخلقهم، فكأنه تعالى قال: إن هذه الأصنام لو اجتمعت لا تقدر على خلق ذبابة على ضعفها فكيف يليق بالعاقل جعلها معبوداً. قوله: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً﴾ السلب اختطاف الشيء بسرعة، يقال: سلبه نعمته. والسلب: ما على القتيل، وفي الحديث: «مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبه» . وقوله: ﴿لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ الاستنقاذ: استفعال بمعنى الإفعال، يقال: أنقذه من كربته، أي: أنجاه منه وخلصه، ومثله: أَبَلَّ المريض واسْتَبَلّ. فصل كأنه تعالى قال: أترُكُ أمر الخلق والإيجاد وأتكلمُ فيما هو أسهل منه، فإن الذباب إذا سَلَبَ منها شيئاً فهي لا تقدر على استنقاذ ذلك الشيء من الذباب. واعلم أن الدلالة الأولى صالحة لأن يتمسك بها في نفي كون المسيح والملائكة آلهة، وأما الثانية فلا. فإن قيل: هذا الاستدلال إما أن يكون لنفي كون الأوثان خالقة عالمة حية مدبرة، وإما لنفي كونها مستحقة للتعظيم، والأول فاسد، لأن نفي كونها كذلك معلوم بالضرورة، فلا فائدة في إقامة الدلالة عليه. وأما الثاني فهذه الدلالة لا تفيده، لأنه لا يلزم من نفي كونها حيّة أن لا تكون معظمة، فإن جهات التعظيم مختلفة، فالقوم كانوا يعتقدون فيها أنها طلسمات موضوعة على صور الكواكب، أو أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين. فالجواب: أما كونها طلسمات موضوعة على الكواكب بحيث يحصل منها الضر والنفع، فهو يبطل بهذه الدلالة، فإنها لم تنفع نفسها في هذا القدر وهو تخليص النفس عن الذبابة فلأن لا تنفع غيرها أولى. وأما أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين، فقد تقرر في العقل أنَّ تعظيمَ غير الله ينبغي أن يكون أقل من تعظيم الله، والقوم كانوا يعظمونها نهاية التعظيم، وحينئذ كان يلزم التسوية بينها وبين الخالق سبحانه في التعظيم، فمن هاهنا استوجبوا الذم. فصل قال ابن عباس: كانوا يطلون الأصنام بالزعفران، فإذا جفَّ جاءت الذباب فاستلبته وقال السدي: كانوا يضعون الطعام بين يدي الأصنام فيقع الذباب عليه فيأكلن منه. وقال ابن زيد: كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر، ويطيبونها بأنواع الطيب، فربما يسقط منها واحدة فأخذها طائر وذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها ﴿ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ قيل: هو إخبار. وقيل: تعجب. والأول أظهر. قال ابن عباس: الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب عن الصنم، والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه السلب. وقيل: العكس الطالب الصنم والمطلوب الذباب، فالصنم كالطالب لأنه لو طلب أن يخلقه ويستنقذ منه ما استلبه لعجز عنه، والذباب بمنزلة المطلوب. وقال الضحاك: الطالب العابد والمطلوب المعبود، لأن كون الصنم طالباً ليس حقيقة بل على سبيل التقدير. وقيل: المعنى ضعف أي ظهر قبح هذا المذهب كما يقال عند المناظرة: ما أضعف هذا المذهب، وما أضعف هذا الوجه. قوله: ﴿ما قدروا الله حق قدره﴾ أي: ما عظموه حق تعظيمه، حيث جعلوا هذه الأصنام على نهاية خساستها شركاء له في المعبودية. ﴿إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ : «قويّ» لا يتعذر عليه فعل شيء «عزيز» لا يقدر أحد على مغالبته، فأي حاجة إلى القول بالشريك. قال الكلبي: في هذه الآية وفي نظيرها في سورة الأنعام: أنها نزلت في مالك ابن الصيف وكعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وغيرهم من اليهود، حيث قالوا: إن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض أعيا من خلقها، فاستلقى واستراح، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، فنزلت هذه الآية تكذيباً لهم، ونزل قوله: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ [ق: 38] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب