الباحث القرآني

في هذه اللاَّم ثلاثة أوْجُه: أحدها: أنها لام «كَيْ» والفِعْل بعدها مَنْصُوب بإضمار «أن» وفيما يتعلَّق به احتمالان: الاحتمال الأول: أن يتعلَّق ب «يُوحِي» على أنَّها نَسَق على «غُرُوراً» و «غُرُوراً» مفعول له، والتقدير: «ويحي بَعْضُهم إلى بَعْض للغُرُور وللصَّغْو» ، ولكن لما كان المَفْعُول له الأوَّل مُسْتَكْمِلاً لِشُروط النَّصْب، نُصِب، ولما كان هذا غير مُسْتكملٍ للشُّروطِ، وصل افعل إليه بِحَرف العِلَّة، وقد فَاتَه من الشَّروط كونه لم يتَّحِد فيه الفَاعِل، فإنَّ فاعل الوحي: «بَعْضُهم» ، وفاعل الصَّغْو: «الأفئدة» وفات أيضاً من الشُّروط صَريح المصدريَّة. والاحتمال الثاني: أن يتعلَّقِ بِمَحْذُوف متَأخِّر بَعْدَها، فقدَّره الزَّجَّاج، ولِتَصْغى إليه فَعَلُوا ذَلِك، وكذا قدَّره الزَّمَخْشَرِي، فقال: ولِتَصْغى جَوَابُه مَحْذُوف، تقديره: وليكون ذَلِك جَعَلْنا لكُلِّ نبي عدُواً على أن اللاَّم لام الصَّيْرُورة. والوجه الثاني: أن اللاَّم لام الصَّيْرُورة وهي الَّتِي يعبِّرون عنها بِلام العاقِبَة، وهي رأي الزَّمَخْشَري، كما تقدَّم حكايته عنه. الوجه الثالث: أنها لام القَسَم. قال أبو البقاء: «إلا أنَّها كُسِرتْ لمَّا لم يؤكد الفِعْل بالنُّون» وما قَالَه غير مَعْرُوف، بل المَعْرُوف في هذا القَول: أنَّ هذه لام كَيْ، وهي جوابُ قسم مَحْذُوف، تقديره: واللَّه لتَصْغَى فوضع «لِتَصْغَى» موضع «لَتَصْغَيَنَّ» فصار دواب القَسَم من قَبِيل المُفْرَد؛ كقولك: «والله ليقومُ زيد» أي: «أحْلِفُ بالله لَقيامُ زيد» هذا مَذْهبُ الأخْفَش وأنشد: [الطويل] 2289 - إذَا قُلْتُ قَدْنِي قَالَ بِاللَّه حَلْفَةً ... لِتُغْنِيَ عَنِّي ذَا إنَائِكَ أجْمَعَا فقوله: «لتُغْني» جواب القَسَم، فقد ظَهَر أن هذا القَائِل يَقُول بكونها لام كي، غاية ما في الباب أنَّها وقعت مَوْقِع جواب القَسَم لا أنَّها جوابٌ بِنَفْسِها، وكُسِرَتْ لمَّا حُذِفَتْ منها نون التَّوكيد، ويدلُّ على فساد ذلك، أنَّ النُّونَ قد حُذِفَتْ، ولامَ الجواب بَاقِية على فَتْحِها، قال القَائِل في ذلك: [الطويل] 2290 - لئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ ... لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ فقوله: «لَيَعْلَمُ» جوابُ القَسَم الموطَّأ له باللاَّم في «لَئِنْ» ومع ذلك فَهِي مَفْتُوحة مع حَذْفِ نُونِ التَّوْكِيد. والضَّمِير في قوله: «مَا فَعَلُوه» وفي: «إليه» يَعُود: إمَّا على الوَحْي، وإمَّا على الزُّخْرُف، وإما على القَوْل، وإمَّا عَلَى الغُرُور، وإمّا على العداوة؛ لأنَّها بمعنى: التَّعَادي. ولتصغى أي تميل وهذ المادَّة تدل على الميْل، ومنه قوله - تعالى -: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: 4] ، وفي الحديث: «فأصْغى لها الإنَاء» وصاغِيَةُ الرجل: قَرَابَتُه الَّذِين يَمِيلون إليه، وعين صَغْوى أي: مائِلَة، قال الأعْشَى: [الطويل] 2291 - تَرَى عَينَهَا صَغْوَاء فِي جَنْبِ مُؤقِهَا ... تُرَاقِبُ فِي كَفِّي القَطِيعَ المُحَرَّمَا والصَّغَا: مَيْلٌ في الحَنَك العَيْن، وصغت الشمس والنجوم: أي مالت للغُرُوب. ويقال: «صَغَوْتُ، وصَغِيتُ وصَغَيْتُ» فاللاَّم واو أو ياء، ومع الياء تُكْسَرُ عين المَاضِي وتُفْتَحُ. قال أبو حيَّان: «فَمَصْدر الأوَّل صَغْوٌ، والثَّاني صُغيُّ والثالث صَغاً، ومضارِعُها يَصْغَى بفتح العين» . قال شهاب الدِّين: قد حَكَى الأصْمَعِيُّ في مصدر صَغَا يَصْغُوا صَغاً، فليس «صَغاً» مُخْتَصاً بكونه مَصْداً ل «صَغِي» بالكَسْر. وزاد القرَّاء: «صُغِياً» و «صُغُواً» بالياء والواو مُشَدَّدتين، وأما قوله: «ومُضارِعُها، أي مُضارع الأفعال الثلاثة: يَصْغَى بِفَتْح الغين» فقد حكى أبُو عُبَيْد عن الكسَائِي: صَغَوتُ أصْغُو، وكذا ابن السِّكِّيت حَكَى: صَغَوتُ أصْغُو، فقد خَالَفُوا بين مُضارعِها، وصَغَوْتُ أصْغُو هو القياس الفَاشِي، فإن فعل المُعْتَل اللاَّم بالواو قِيَاس مُضَارعه: يَفْعُل بضمِّ العَيْن. وقال أبو حيَّان أيضاً: «وهي - يعني الأفعال الثلاثة - لازمة» أي: لا تتعدَّى، وأصْغَى مثلْها لازم، ويأتِي متعدِّياً، فتكون الهَمْزَة للنَّقْل، وأنشد على «أصْغَى» اللاَّزم قول الشاعر: [البسيط] 2292 - تَرَى السَّفِيهَ بِهِ عَنْ كُلِّ مُحْكَمَةٍ ... زَيَغٌ وَفِيهِ إلى التَّشْبيه إصْغَاءُ قال شهاب الدِّين: ومثله قول الآخر: [البسيط] 2293 - تُصْغِي إذَا شَدَّهَا بالرَّحْلِ جَانِحَةً ... حَتَّى إذا اسْتَوَى فِي غَرْزِهَأ تَثِبُ وفي الحديث: فأصْغَى لها الإنَاء «وهذا الذي زَعَمه من كَوْن صغَى، أو صَغِيَ، أو صَغاً يكون لازماً غير مُوافَقٍ عليه، بل قد حَكى الرَّاغب أنه يُقَال: صَغَيْتُ الإنَاء وأصغَيْتُه [وصَغِيت بكسر الغَيْن] يُحْتَمل أن يَكُن من ذَوَات اليَاءِ، ويُحْتَمل أن يكُون من ذَواتَ الواوِ، وإنَّما قُلِبَت الواوُ ياءً؛ لانكسار ما قَبْلَها؛ كقَوِي، وهُو من القُوَّة. وقراءة النَّخْعِي، والجَرَّاح بن عبد الله:» ولِتُصْغَى» من أصغَى رباعياً وهو هُنا لاَزِم. وقرأ الحسن: «وَلْتَصْغى وليَرْضَوْه ولْيَقْتَرِفوا» بسكون اللاَّم في الثَّلاثة، وقال أبو عمرو الداني: «قراءة الحَسَن إنَّما هُو:» ولِتَصْغِي «بكَسْر الغَيْن» . قال شهاب الدِّين: فتكون كقراءة النَّخَعِيِّ. وقيل: قرأ الحسن: «ولتصغي» بكَسْر اللاَّم كالعامَّة، ولْيَرْضوه ولْيَقْتَرِفوا بسكون اللاَّم، خرَّجوا تَسْكين اللاَّم على أحَدِ وَجْهَين: إمَّا أنها لام كي، وإنَّما سُكِّنَتْ إجراءً لها مع بَعْدها مُجْرى كَبِد، ونَمِر. قال ابن جِنِّي: «وهو قَوِيٌّ في القِيَاس، شاذٌّ في السَّماع» . والثاني: أنَّها لام الأمْر، وهذا وإن تَمشَّى في «لِيرْضَوْه ولِيَقْتَرِفوا: فلا يتمشَّى في:» ولِتَصْغى» إذ حرف العلة يحذف جزماً. قال أبُو البقاء: «ولَيْست لام الأمْر؛ لأنه لَمْ يَجْزِم الفعل» . قال شهاب الدِّين: قد ثبت حَرْف العِلَّة جَزْماً في المُتَواتِر، فمنها: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ [يوسف: 12] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله﴾ [يوسف: 90] ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى﴾ [الأعلى: 6] ﴿لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى﴾ [طه: 77] وفي كُلِّ ذلك تَاويلات سَتَقِف عَلَيْها - إن شاء الله تعالى - فتلكن هذه القراءة الشَّاذَّى مثل هذه المَوَاضِع، والقولُ بكون لام «لتصغى» لام «كَيْ» سُكِنت؛ لِتَوالي الحَرَكات واللاَّمين بَعْدَها لامَيْ أمْر بعيدٌ وتَشَهٍّ. وقال النَّحَّاس: ويُقْرأ: «ولْيَقْتَرِفُوا» يعني بالسُّكُون، قال: «وفيه مَعْنى التَّهْديد» . يريد: أنَّه أمر تَهْديد؛ كقوله: ﴿اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: 40] ولم يحك التَّسْكِين في «لِتَصْغَى» ، ولا في «لِتَرْضَوه» . و «مَا» في «ما هم مُقْتَرِفون» مَوْصُولة اسميَّة، أو نكرة مَوْصُوفة مصدريَّة، والعَائِد على كلا القولَين الأولين مَحْذُوف، أيك «ما هم مُقْتَرِفُوه» . [و] قال أبُو البقاء: «وأثبت النُّون لما حُذِفَت الهاء» يريد: أن الضَّمير المتَّصِل باسم الفاعل المُثَنًّى والمجموع على حَدِّه، تُحْذَفُ له نُون التَّثْنِيَة والجمع، نحو: «هَذَانِ ضَارِبَاه» و «هؤلاء ضَارِبُوه» فغذا حذفَ الضَّمِير، وقد ثَبَتت؛ قال القائل: [الطويل] 2295 - وَلَم يَرْتَقِقْ والنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ ... جَمِيعاً وأيْدِي المُعْتَفِينَ رَوَاهِقُهْ وقال القائل في ذلك: [الطويل] 2269 - هُمُ الفَاعِلون الخَيْرَ والآمِرُونَهُ..... ... ... ... ... ... ... ... . . والاقْتِرَاف: الاكْتِساب، واقترف فُلان لأهْله، أي: اكْتَسَب، وأكثر ما يُقَال في الشَّرِّ والذَّنْب، ويطْلَق في الخَيْر، قال - تعالى - ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً﴾ [الشورى: 23] . وقال ابن الأنْبَارِيِّ: «قَرَفَ واقْتَرَفَ: اكتسب» وأنْشَد في ذلك: [الطويل] 2297 - وإنِّي لآتٍ مَا أتَيْتُ وَإنِّنِي ... لِمَا اقْتَرَفَت نَفْسِي عَلَيَّ لَرَاهِبُ وأصل القِرْفِ والاقْتِرَاف: قِشْرُ لحاء الشَّجر، والجِلْدَةُ من أعَلَى الحرج وا يؤخَذُ منه قَرف، ثُمَّ استُعِير الاقْتِرَاف للاكْتِسَاب حَسَناً كان، أو سِّئاً وفي السيّئ أكثر اسْتِعْملاً وقارف فلان أمْراً: تَعَاطى ما يُعَاب به. وقيل: الاعْتراف يُزِيل الاقْتِرَاف، ورجل مُقْرِف، أي: هجين: قال الشَّاعر: [الرمل] 2298 - كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَالَ العُلَى ... وشَريفٍ بُخْلُهُ قَدْ وَضَعهْ وقَرَفْتُه بكذا: اتَّهَمْتُه، أو عِبْتُه به، وقارف الذَّنْب وعَبَره، إذا أتَاه ولا صقَهُ، وقارف امْرَأتَهُ، وإذا جَامَعها، والمُقْتَرِف من الخَيْل: الهَجِين، وهو الَّذي أمُّه برذون، وأبُوه عَرَبِيّ. وقيل: بالعَكْس. وقيل: هُو الَّذي دان الهجنة وقَارَفَها، ومن حَدِيب عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: كتب إلى أبِي مُوسى في البَراذِين ما قَارفَ العِتَاق مِنْهَا، فأجْعَل لَهُ منهما واحٍداً، أي: قَارَبَهَا ودَانَاهَا، نقله ابن الأثير. * فصل في تقدير الآية قال ابن الخِطِيب [قال أصْحَابنا] تقدير الآية الكَرِيمة: وكذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نِبِيِّ عدوّاً من شَيَاطين الجِنِّ والإنْس، وصفته: أنَّه يُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْض زُخْرُف القَوْل غَرُواً، وإنَّما فَعَلْنا ذلك لِتَصْغَى إلَيْه أفْئِدة الذين لا يُؤمِنُون بالآخرة أي: أوْجدنا العداوة في قَلْب الشَّيَاطين الذين من صفتهم ما ذَكرْنَاهُ، ليكون كلامهم المُزَخْرَف مَقْبُولاً عند هؤلاء الكُفَّار. قالوا: وإذ حَمَلْنا الآية على هذا الوَجْه، يظهر أنَّه - تبارك وتعالى - يُريد الكُفْر من الكَافِر. أجاب المُعْتَزِلَة عنه من ثلاثة أوْجُه: الأول: قال الجُبَّائي: إن هذا الكلام خرج مَخْرج الأمر، ومعناه: الزَّجْر؛ كقوله - تبارك وتعالى -: ﴿واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم﴾ [الإسراء: 64] وكذا قوله: «وَلِيَرْضَوْه، ولِيقْتَرِفُوا» وتقدير الكلام: كأنَّه قال للرَّسُول - عليه السَّلام -: «فّذرْهُم وما يَفْتَرون» ثم اقال لَهُم على سَبِيل التَّهديد «ولِتَصْغَى إلَيْه أفْئِدَتُهم، وليَرْضَوه وليقترفوا ما هُم مُقْتِرَفُون» . الوجه الثاني: قال الكَعْبِي إنّ هذه اللاَّم لام العاقبة، أي: ستئول عاقبة أمرهم إلى هذه الأحْوال. قال القَاضِي: ويبعُد أن يقال: هذه العاقبة تحصُل في الآخِرة؛ لأن الإلْجَاء حَاصِل في الآخِرَة. قال: فلا يجُوز أن تِمَيل قُلُوب الكُفَّار إلى قُبُول المَذْهَب البَاطِل، ولا أن يَرْضَوْه، ولا أنْ يقترفوا الُّنُوب، بل يَحْبُ أن تُحْمَل على أنَّ عاقبة أمْرِهم في الدُّنْيَا تئول إلى أنْ يَقْبَلوا الأبَاطِيل، ويرضوا بها، ويَعْملُوا بها. الوجه الثالث: وهو الذي اختاره أبو مُسْلِم، قال: اللاَّم في قوله: «ولِتَصْغَى إلَيْه أفْئِدَةُ» متعلِّق بقوله: «يُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْل غُرُوراً» والتَّقْدير: أن بَعْضَهم يُوحِي إلى بَعْض زُخْرُف القَوْل ليغُرُّوا بذلك، ﴿ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ﴾ الذُّنُوب، ويكون المُرَاد أنَّ مَقْصُود الشَّياطين من ذلك الإيحاء: هو مَجْمُوع هذه المَعَانِي. والجواب عمّا الجُبَّائي من وُجُوه، ذكرها القَاضِي: أحدها: أن الواوَ في قوله: «ولِتَصْغَى» تقتضي تَعَلُّقَه بما قبْلَه، فحملُه على الابتداء بَعيدٌ. وثانيها: أن اللاَّم في قول: «ولِتَصْغَى» لام كَيْ، فيبعد أن يُقَال إنَّه لام الأمْر، ويَقْرُب ذلك من أنْ يَكُون تَحْرِيفاً لِكَلام اللَّه - تعالى -، وأنه لا يَجُوز، وأمَّا قول الكَعْبِي: بأنَّها لام العَاقِبَة، فضعيفح لأنهم أجْمَعُوا على أن هذا مَجَازٌ، وحَمْلُه على «كي» حَقِيقةً أوْلى، وأمَّا قَوْل أبِي مُسَلم، فهو أحسنُها، إلاَّ أنْ قوله: «يُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْض زُخْرُف القَوْلِ غُرُواً» يقتضي ان يكُون الغَرَض من ذلك الإيحاء: هو التَّغْرير، وإذا عَطَّفْنَا عليه قوله: «ولِتَصْغَى إليْه أقْئِدَة» فهذا أيضاً عَيْن التغرير، لا معنى التغرير؛ لأنه يَسْتَمِيل إلى ما يكون بَاطِنُه قَبِيحاً، وظاهره حَسَنَاً. قوله: «ولِتَصْغَى إليه أفْئِدَة» عين هذه الاسْتِمَالة فلو عَطَفْنَأ عليه، لَزِم أن يَكُن المَعْطُوف عين المَعْطُف عَلَيْه، وأنَّه لا يجوز، أمَّا إذا قُلْنَا: تَقْدير الكلام: وكذلك جَعَلْنَا لكُلِّ نَبِيّ عُدُوّاً من شَأنه أن يُوحِي زُخْرُف القَوْل؛ لأجل التَّغرير، وإنما جَعَلْنا مثل هذا الشَّخْص عَدُواً للنَّبِي؛ لتصْغَى إليه أفْئِدَة الكُفَّار، فَيَبْعُدوا بذلك السَّبَبِ عن قُبُول دَعْوة ذلك النَّبِيِّ، وحنيئذٍ لا يَلْزَم منه عَطْف الشَّيء على نَفْسِه، فما ذَكَرنَاه أوْلى. * فصل في معنى الإنسان قالوا: الإنسان شيء مُغَاير للبَدَن، ثم اخْتَلَفُوا: منهم من قال: المُتَعلِّق الأوَّل هو القَلْب، وبواسطته تتعلَّق النَّفْس؛ كسائر الأعْضَاء، كالدِّمَاغ، والكَبْد، ومنهم مَنْ قَال: القَلْب متعلِّق النَّفس الحَيَوانيَّة، والدِّمَاع متعلَّق النَّفْس النَّاطِقَة، والكَبِد متعلَّق النَّفْس الطَّبِيعيَّة، والأوَّلون تمسَّكوا بهذه الآية الكريمة؛ فإنه - تبارك وتعالى - جَعَل مَحَلَّ الصَّغى الذي هُو عِبَارة عن المَيْل والإرادة: القَلْب، فدلّ على أنَّ مُتعلِّق النَّفْس: القَلْب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب