قوله: «ولَهُ مَا سَكَن» : جملة من مُبْتَدَأ وخبر، وفيها قولان:
أظهرهما: أنها اسْتَئْنَافُ إخبار بذلك.
والثاني: أنها في مَحَلّ نَصْبٍ نَسَقاً على قوله: «الله» ، أي: على الجملة المَحْكيَّةِ ب «قل» أي: قل: هو الله، وقل: له ما سَكَنَ.
و «ما» موصولة بمعنى «الذي» ، ولا يجوز غَيْرُ ذلك.
و «سَكَنَ» قيل: معناه ثَبَتَ واسْتَقَرَّ، ولم يذكر الزمخشري غيره.
كقولهم: فلان يسكنُ بَلْدَة كذا، ومنه قوله تبارك وتعالى ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُم﴾ [إبراهيم: 45] .
وقيل: هو مِنْ «سَكَنَ» مقابل «تَحَرَّك» ، فعلى الأوَّل لا حذف في الآية الكريمة.
قال الزمخشري: وتعدِّية ب «في» كما في قوله: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُم﴾ [إبراهيم: 45] ، ورجَّع هذا التفسير ابن عطية.
وعلى الثَّاني اخْتَلَفُوان فمنهم من قال: لا بُدَّ من محذوفٍ لِفَهْمِ المعنى، وقدَّر ذلك المحذوف معْطُوفاً، فقال: تقديره: لوه ما سَكَنَ وما تحرك، كقوله في موضع آخر: ﴿تَقِيكُمُ الحر﴾ [النحل: 81] أي: والبَرْد وحذف المعطوف فاشٍ في كلامهم، وأنشد القائل في ذلك:
2116 - كَأنَّ الحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمَامِهَا ... وإذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا
وقال الآخر: [الطويل]
2117 - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً ... أبُو حُجُرِ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
يريد: رِجْلَهَا ويدها، وبين الخير وبيني.
ومنهم من قال: لا حَذْفَ؛ لأنَّ كُلَّ متحرك قد يسكن.
وقيل: لأنَّ المُتَحرِّكَ أقَلُّ، والساكن أكثرُ، فلذلك أوثِرَ بالذِّكْرِ.
وقيل: إنما خصَّ السُّكون بالذِّكْرِ، لأن النعمة فيه أكثر.
* فصل في نظم الآية
قال أبو مسلم: وجه نَظْمَ الآية الكريمة أنه - تبارك وتعالى - ذَكَرَ في الآية الأولى: السَّمَوَات والأرضِ؛ إذ لا مكانَ سِوَاهُمَا، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الليل والنَّهار، إذ لا زمان سواهما، فالزَّمَان والمكان ظرفان للمحدثات، فأخبر - تبارك وتعالى - أنه مَالِكٌ للمكان والمَكَانِيَّاتٍ، ومالك للزَّمانِ والزَّمانِيَّاتِ.
قال محمد بن جرير: كُلُّ ما طلعت عليه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ، فهو من مَسَاكن اللَّيل والنَّهَار، والمراد جميع ما في الأرض.
وقيل: مَعْنَاه له ما يمرُّ عليه اللَّيْلُ والنَّهَارُ، وهو السميعُ لأصواتهم، العَلِيمُ بأسْرَارِهِمْ.
{"ayah":"۞ وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِی ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}