الباحث القرآني

[و] قوله: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾. معناه: وقال الذين عبدوا مع الله [سبحانه] غيره من الأوثان والأصنام من قريش وغيرهم، قد رضي الله عنا في عبادتنا ما عبدنا. لأنه لو شاء، ما عبدناها، ولو شاء ما حرمنا البحائر والسوائب، وما بقينا على ما نحن عليه، إلا لأن الله [عز وجل] قد رضي ذلك. ولو لم يرض عنا لغير ذلك ببعض عقوباته ولهدانا إلى غيره من الأفعال. قال الله [عز وجل] ﴿كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم المشركة فاستن هؤلاء بسنتهم وسلكوا سبيلهم في تكذيب الرسل. * * * ﴿فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ﴾. أي: البلاغ الظاهر المعنى المفهوم عند المرسل إليه. وهذا القول الذي قالوه إنما قالوه على طريق الهزء والاستخفاف. كما قال قوم شعيب عليه السلام له: ﴿إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] على طريق الهزء. ولو قالوه على طريق الجد لكانوا مؤمنين. وكذلك، لو قال قائل مذنب على طريق الجد: لو شاء الله ما أذنبت، ولو شاء الله ما قتلت النفس، لم يكن بذلك كافراً ولا منقوصاً، وكان كلامه حسناً. وإنما قبح [كلام] أولئك وكان كفراً لأنهم قالوه على طريق الهزء لا على طريق الجد. وقد اتفقت الأمة أن الله لو شاء ألا يعبد غيره لم يكن إلا ذلك. ولكنه تبارك وتعالى وفق من أحب إلى ما يرضيه بتوفيقه، وأضل من أحب ضلاله بخذلانه له. ثم قال [تعالى] ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ﴾. أي: بعثنا إلى كل أمة تقدمت وسلفت [رسولاً] بأن يعبدوا الله ويخلصوا له العبادة، ويبعدوا من طاعة الطاغوت، وهو الشيطان، ويحذروه أن يغويهم ويصدهم عن سبيل الله [عز وجل] فمنهم من هدى الله، ففعل ما أمر به، وذلك بتوفيق الله [عز وجل] له. ومنهم من حقت عليه الضلالة فضل ولم يؤمن وذلك خذلان الله [سبحانه] له. * * * ﴿فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ﴾. فسيروا يا مشركي قريش في الأرض التي [كان] يسكنها الأمم قبلكم، إن كنتم غير مصدقين لما يتلى عليكم من هلاك الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل. فانظروا آثارهم وديارهم واتعظوا وارجعوا إلى الإيمان بما جاءكم به رسولكم واحذروا أن ينزل بكم ما نزل بهم. ثم قال [تعالى]: ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ﴾. أي: إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين من قومك، فإن من أضله الله منهم فلا هادي له ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي: ليس لهم ناصر ينصرهم من الله [عز وجل] إذا أراد عقوبتهم. وفي قراءة أُبَيّ "فإن الله لا هادي لمن أضل" وقرأ ابن مسعود: "فإن الله لا يهدي من يُضل" بضم الياء من (يضل) فكسر الدال والضاد. وقرأ الكوفيون: "لا يهد[ي]" بفتح الياء. وقرأ الحرميان والشامي والبصري "لا يُهْدَى" بضم الياء وفتح الدال. ومعنى قراءة نافع ومن تابعه: من أضله فلا هادي له. ومعنى قراءة الكوفيين: فإن الله لا يهدي من أضله، أي: من أضله الله لا يهديه، أي: من سبق في علمه له الضلالة فإنه لا يهديه الله. وفيها معنى آخر وهو: فإن الله [لا] يهتدي من أضله: أي: من أضله الله لا يهتدي. حكى الفراء أنه يقال: هدَّى يهدِّي بمعنى اهتدى يهتدي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب