الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿إِلاَّ كَذِباً﴾. معناه: على قول ابن عباس، في رواية الضحاك وابن جريج عنه: الله المحمود بالذكر وبكل لسان، والمحمود على كل فعل والمعبود في كل مكان، الذي هو كل يوم في شأن لا يشغله شأن عن شأن. ومعنى الآية: في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة: أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً. فقيماً حال من الكتاب، وهو قول: الكسائي والفراء وأبي عبيدة. وقال: غيرهم: "قيماً": منصوب بإضمار فعل، أي: ولكن جعله قيما، فهو مفعول ثان ليجعل المضمرة. والوقف على "الكتاب": على القول الأول: لا يجوز، وعلى الثاني يجوز. وقيل إنّ المعنى: أنزله قيماً، فيكون نصبه على الحال من الهاء المضمرة مع الفعل المضمر. ومعنى "عوجاً: أي: مخلوقاً". كذلك قوله: ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨] أي: غير مخلوق، قاله: ابن عباس. والعِوج: بالكسر في العين في كل ما ليس له شخص: مثل الدين، والأمر، والرأي. فإن كان له شخص كالخشبة والحائط وشبهه فهو بفتح العين. ومعنى الآية: الحمد لله الذي خص برسالته محمداً، وأنزل عليه كتابه قيماً. قال: الضحاك: "قيماً": مستقيماً. وقال ابن عباس: عدلاً. وقال ابن إسحاق: معتدلاً [لا] اختلاف فيه. وقيل معناه: قيماً على الكتب [يصدق] بصدقها لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل يصدق بعضها بعضاً، لا عوج فيه عن الحق ولا ميل. وهذه السورة نزلت في الأخبار من عند الله [عز وجل] بأمور سألت قريش النبي عليه السلام عنها، علمهم السؤال عن ذلك اليهود وقالوا لهم: إن أخبركم بها فهو نبي، وإن لم يخبركم بها فهو متقول. فوعدهم رسول الله ﷺ الجواب عنها. فأبطأ الوحي عليه بعض الإبطاء، فتحدث المشركون بأنه أخلفهم موعدهم فأنزل الله [عز وجل] هذه السورة جواباً لهم. فافتتحها بحمد الله على نعمه، وتثبيته رسالة محمد عليه السلام، وأن الله [عز وجل] أنزل عليه الكتاب، وأنه صادق فيما أتاكم به من خبر أهل الكهف، وخبر ذي القرنين، وغيره مما سألوه عنه، من تعليم اليهود إياهم ذلك، فهذا معنى قول ابن ابن عباس وغيره. * * * وقوله: ﴿لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً﴾. أي: أنزل الكتاب على عبده لكي ينذركم بأساً شديداً من عند الله. فالمفعول الأول محذوف. ومثله ﴿إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥] أي: يخوفكم أولياءه. * * * ثم قال: ﴿وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾. أي: ويبشر المصدقين لله ورسوله ﷺ. ﴿ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ﴾ وهو العمل بما أمر الله [عز وجل] [به]، والانتهاء عما نهى الله [سبحانه] عنه. * * * ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً﴾. أي: ثواباً جزيلاً من الله [سبحانه] على أعمالهم وتصديقهم وهو الجنة. * * * ﴿مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً﴾. أي: لابثين فيه أبداً. * * * ثم قال: ﴿وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً﴾. يعني: قريشاً الذين قالوا: إنما نعبد الملائكة وهن بنات الله [سبحانه وتعالى عما يقولون]. ﴿مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾. أي: ما لهم بهذا القول علم ﴿لآبَائِهِمْ﴾. * * * ثم قال: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾. أي: كبر قولهم: ﴿ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً﴾ من كلمة. وفيه معنى التعجب كأنه قال: ما أكبرها من كلمة. كما تقول لقصو الرجل بمعنى: ما أقصاه. وقرأ الحسن، ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وابن أبي إسحاق ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ بالرفع على معنى: عظمت كلمتهم. يقال: كبُر الشيء إذا عَظُمَ، وكبِر [الرجل] إذا أسن، [بكسر الباء، والأول بالضم]. * * * ﴿إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً﴾. أي ما يقول هؤلاء إن الله اتخذ ولداً إلا كذباً وتخرصاً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب