الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً﴾. إلى قوله: ﴿عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً﴾. المعنى: واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها، لتكون لهم منعة من عذاب الله. ومعنى "كلا" أي: ليس الأمر على ذلك، لا تمنعهم من عذاب الله. * * * ثم قال: ﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾. أي: ستجحد الآلهة يوم القيامة عبادتهم لها. وهو قوله تعالى: ﴿تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ [القصص: ٦٣] فتبرؤها منهم هو جحدها لعبادتهم إياها. * * * ثم قال: ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾. قال ابن عباس: "ضداً": أعوانا. يعين على عذابهم. وقال مجاهد: عوناً عليهم، تخاصمهم وتكذبهم. قال قتادة: "ضداً" قرناء في النار، يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض. وقال الضحاك: "ضداً" أعداء. وقال ابن زيد: معناه: ويكونون عليهم بلاء. وقيل: معناه أن آلهتهم التي عبدوها من دون الله [يوم القيامة] تلعنهم وتدعو عليهم، لأنهم عبدوا الملائكة، فهي تلعنهم وتتبرأ منهم. وقيل: بل هي الأصنام يحييها الله تعالى [لهم] يوم القيامة لتوبخهم وتكذبهم. "والضد" في كلام العرب "المخالف". ووحد "ضد لأنه في معنى عوناً. وعون مصدر، فلذلك لم يجمع. * * * ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾. أي: تزعجهم على المعاصي، وتقودهم إليها قياداً، وتغويهم بها. وقال ابن عباس: تغويهم أغواء. وقال ابن زيد: تشليهم إشلاء على المعاصي. ومنه أزيز القدر، وهو صوت غليانها. وهذا يؤكد تحقيق القدر. * * * ثم قال تعالى: ﴿فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ أي: فلا تعجل يا محمد، على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك، إنما نعد أعمالهم وأنفاسهم لنجازيهم على جميعها ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير نريده بهم، ولكن ليزدادوا إثماً. قال ابن عباس: "إنما نعد لهم عداً" يعني نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم وآجالهم. ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً﴾. التقدير: إنما نعد أعمالهم لنجازيهم عليها يوم نحشر المتقين. فالعامل في "يوم" ما دل عليه الكلام الأول وهو "نجازيهم" يوم كذا. ومعنى الآية: يوم يجمع الله الذين اتقوا في الدنيا، وخافوا عقابه إلى جزاء الرحمن ووعده. "وفداً" هو بمعنى جمع وافد، ونصبه على الحال، ووحد لأنه مصدر، "والوفد": الركبان. قال علي رضي الله عنه: اما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولا يساقون سوقاً، ولكنهم يوتون بنوق، ولم تر الخلائق مثلها، عليها رحال الذهب، أزمتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة. وقال أبو هريرة: "وفداً" على الإبل. وروى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: يبعث الله الأنبياء يوم القيامة إذا حشروا، على الدواب، ويبعث صالح نبي الله على ناقته، حتى يوافوا بالمؤمنين من أصحابهم المحشر، ويبعث أبنائي الحسن والحسين على ناقتي العضباء والقصواء وأبعث أنا على البراق، وخطوها عند أقصى طرفها. ويبعث بلال على ناقة من نوق الجنة، ينادي بالأذان، غضا، حتى إذا بلغ. أشهد أن محمداً رسول الله، شهد بها جميع الخلائق من المؤمنين والكافرين، فيقبل ذلك من المؤمنين، ويرد على غيرهم من أهل الشك والتكذيب وقيل: معنى "وفداً" أي: وافدين على ما تحبون. من كان يحب ركوب الخيل، وفد على الله على خيل لا تروث، ولا تبول، لجمها من الياقوت الأحمر، ومن الزبرجد الأخضر ومن الدر الأبيض، وسرجها من السندس والاستبرق. ومن كان يحب الإبل، فعلى نجائب لا تبعر ولا تبول، أزمتها الياقوت والزبرجد، ومن كان يحب السفن، فعلى سفن من زبرجد أخضر، وأمواج مثل ما بين السماء والأرض قد أمنوا الغرق والأهوال. وروى عمرو بن قيس الملائي أن المؤمن إذا خرج من قبره، استقبله أحسن صورة وأطيبه ريحاً. فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، إلا أن الله عز وجل قد طيب ريحك، وحسن صورتك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا، أنا عملك الصالح، طالما ركبتك، فاركبني أنت اليوم، وتلا ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً﴾. قال قتادة: "وفداً" إلى الجنة. وقال ابن جريج: على النجائب. وقال الثوري: على الإبل والنوق. وفي هذا الخبر إيماء إلى الجزاء والثواب، لأن الوفد هم الواردون على الملوك، المنتظرون العطاء والبر والإكرام منهم. ورويَ أن المؤمن يستقبله عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبه ريحاً، فيقول: من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول لا، إلا أن الله تبارك وتعالى [قد] طيب ريحك، وحسن وجهك، فيقول: أنا عملك الصالح، هكذا كنت في الدنيا حسن العمل، طيبه، فطالما ركبتك في الدنيا، فهلّم اركبني، فيركبه. فذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً﴾ قال: ويستقبل الكافر أو قال الفاجر عند خروجه من قبره أقبح صورة رآها، وأنتنها ريحاً فيقول: من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا، إلا أن الله تبارك وتعالى قد قبح وجهك، وأنتن ريحك. فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه، فطالما ركبتني في الدنيا فهلمّ أركبك، فيركبه، فذلك قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنعام: ٣١]. ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً﴾. أي: عطاشاً، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وقتادة والثوري. فيكون تقديره: ذي ورد يقال للواردين الماء ورد وروداً، مصدر وصف به الجمع، فلذلك لم يجمع. وروى المقدام بن معد يكرب: أن النبي ﷺ قال: يحشر المؤمنون يوم القيامة فيحشر السقط إلى الشيخ الفاني أبناء ثلاث وثلاثين سنة، في مثل خلق آدم، وحسن يوسف وقلب أيوب، مرداء مكحلين، فسئل النبي ﷺ عن الكافر فقال: يعظم للنار حتى يصير غلظ جلده أربعون ذراعاً وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد ثم قال تعالى ﴿لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً﴾. أي: لا يملك أحد من المجرمين الشفاعة لأحد، لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً بالإيمان، فإنه يملك الشفاعة. فـ "من" في موضع نصب على الاستثناء المنقطع. وقيل: هي في موضع رفع على البدل من الضمير في "يملكون". فيكون التقدير: لا يملك الشفاعة إلا المؤمنون، فإنهم يشفعون. وقيل: التقدير: لا يملك أحد من المتقين الشفاعة إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً، أي: من آمن في الدنيا، فلما حذفت اللام، صارت "من" في موضع نصب. وقال ابن عباس: "العهد" شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة، ولا يرجو إلا الله. وقال ابن جريج: "عهد" عمل صالح. وقال الليث: "العهد" حفظ كتاب الله. وقال مقاتل: "عهدا" صلاة. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: إن الشهيد ليشفع في سبعين من أهل بيته وأنه قال: "إن من أمتي رجلاً ليدخلن الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم وقال ﷺ: "إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً فيكون قوله: "لا يملكون".. وما بعده. في موضع نصب حال من المجرمين، أو من المتقين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب