الباحث القرآني

قوله: ﴿رَغَداً﴾ إلى قوله: ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾. * * * قوله: ﴿رَغَداً﴾ أي واسعاً. وقيل: هنيئاً. وقال مجاهد: "رغداً لا حساب عليهما فيه"، وهو من السعة في المعيشة. قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه: "الشجرة شجرة العلم، فيها أنواع الثمار كلها". وعن ابن جريج أنه قال: "هي التينة". وعن ابن عباس أيضاً وأبي مالك: "الشجرة السنبلة لكن الحبة منها ككلى البقر ألين من الزبد وأحلى من العسل". وروى عن ابن مسعود أنها الكرمة. وذكر ذلك أيضاً عن ابن عباس، وعليه أكثر المفسرين، ولذلك حرم الله الخمر في قول بعضهم. قال أبو هريرة: "هي العنبة نهي آدم عنها، وجعلت فتنة لولده من بعده". وتزعم اليهود عليها اللعنة أنها الحنطة. * * * قوله: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾. أي استزلهما، ومن قرأ: (فَأَزَالَهُمَا) وهو حمزة فمعناه نحّاهُما. والهاء في "عَنْها" تعود على الشجرة، يعني حسدهما إبليس اللعين على ما كانا فيه، فاستزلهما وتكبر عن السجود لآدم ﷺ. وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: "بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح: حسد إبليس وتكبر على آدم، وشح آدم، فقيل له: كُلْ من شجر الجنة إلا التي نهى عنها فشح فأكل منها". قال وهب بن منبه: "لما أراد إبليس من آدم عليه السلام ما أراد دخل في جوف الحية، وكان لها أربع قوائم كالبختية، فدخلت الجنة، وخرج إبليس إلى الشجرة وأخذ منها، وجاء إلى حواء فقال لها: انظري ما أطيب هذه الشجرة وأحلاها وأحسن ريحها. فأكلت منها ثم مضت إلى آدم ﷺ فقالت له مثل ما قال إبليس، فأكل منها، فبدت له سوأته عند ذلك، وقام فدخل في جوف الشجرة. فقال الله تعالى: يا حواء أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملتيه كرهاً، ولا تضعين ما في بطنك إلا أشرفت على الموت مراراً. ثم لعن الحية لعنة تحولت قوائمها في بطنها، ولا [رزق لها] إلا التراب، وجعلها عدوة لبني آدم، تهلكهم إذا لدغت أحدهم ويقتلونها إذا ظفروا بها". وقال ابن عباس: "أتى إبليس اللعين ليدخل على آدم ﷺ فمنعته الخزنة فقال للحية وهي كأحسن الدواب: أدخليني في فقمك، أي في جانب فمك، حتى أدخل الجنة ففعلت ومرت بالملائكة وهم لا يعلمون ما صنعت، فخرج إلى آدم فقال: ﴿يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ﴾ [طه: ١٢٠]، كما حكى الله جل ذكره. وقال له: هل أدلك على شجرة إن أكلت منها كنت ملكاً مثل الله سبحانه أو تكون من الخالدين، وحلف لهما بالله إني لكما من الناصحين فأبى آدم عليه السلام أن يأكل، فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت: يا آدم، كُلْ، فإني قد أكلت فلم تضرني، فلما أكل بدت لهما سوآتهما". وروي أنهما لما أكلا من الشجرة سقط عنهما لباسهما وهو النور الذي كان ألبسهما الله إياهما، فهرب آدم من ربه عز وجل مستتراً بورق الجنة، فناداه ربه: أفراراً مني يا آدم؟ قال: بل حياء منك يا رب. ما ظننت أن أحداً يقسم باسمك كاذباً، فقال له الله جل ذكره: أما خلقتك بيدي؟ أما أسجدت لك ملائكتي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما أسكنتك في جواري؟ فَلِمَ عصيتني؟ أخرج من جواري، فلا يجاورني من عصاني، فقال آدم: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله أنت رب، عملتُ سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي، إنك خير الغافرين. سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني، إنك أرحم الراحمين. سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ربي عملت سوءاً، وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم". فهذه الكلمات التي ألهمها الله عز وجل. * * * قوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾. وروي عن النبي [عليه السلام] أنه قال: "لَمْ يَحْزَنْ حُزْنَ آدَمَ أَحَدٌ قَطْ؛ بَكَى أرْبَعينَ عاماً، وسَجَدَ أرْبَعينَ عاماً تائِباً حَتَّى قَبِل اللهُ مِنْهُ وقال الحسن: "بكى آدم عليه السلام على الجنة ثلاثمائة". وقال ابن زيد: "لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض عدل ببكاء آدم على الجنة ما عدله". وقال ابن إسحاق: "لما دخل إليهما إبليس بكى وناح عليهما كيداً منه، فقالا له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي عليكما تموتان، وتفارقان ما أنتما فيه، فوقع ذلك في أنفسهما، ثم وسوس إليهما وحلف لهما فأكلا منها"، قال: و "ذهب آدم عليه السلام في الجنة هارباً لما أكل، فقال له [ربه: يا آدم] أمني تفر؟ قال: لا يا رب، ولكن حياء منك. قال الله: يا آدم: إنه أوتيتَ مِن قِبل حواء. قال: أي رب. قال الله: فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة، وأن أجعلها سفيهة وأن أجعلها تحمل كرهاً وتضع كرهاً". وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله أن آدم ما أكل من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر، حتى إذا سكر قادته إليها فأكل. وقال جماعة من أهل التأويل: "لم يدخل إبليس الجنة وإنما وسوس إليه شيطانه الذي جعله الله ليبتلي به آدم وذريته ويأتي ابن آدم في يقظته ونومه، وعلى كل حال. وقد قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ٢٠]، وقال: ﴿يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٧] فأخبرنا أن الذي أخرج أبانا هو الذي يوسوس في صدورنا". وعن النبي [عليه السلام] أنه قال: "إنّ الشّيْطانَ يَجْري مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّم قوله: ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾. يعني آدم وحواء والحية وإبليس. فنزل إبليس أولاً نحو الأبُلَّة في المشرق، ونزل آدم على جبل من جبال الهند ونزلت حواء بجَدة، ونزلت الحية بأصبهان. وروي أنه لما خرج آدم إلى شقاء الدنيا أتاه جبريل عليه السلام فعلمه كيف يحرث فحرث، ثم زرع، ثم حصد، ثم درس، ثم خبز ثم أكل، فلما عرض له الخلاء جاء وذهب وتردد، وهو لا يدري ما حدث به ولا ما يصنع، فقعد وتعصر فخرج منه الحدَث مُنتِنا، فقال: يا رب ما هذا النتن؟ فقال: هذه ريح خطيئتك". * * * قوله: ﴿وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾. أي قرار إلى حين، وقيل: القرار في القبور، وروي ذلك عن ابن عباس. * * * قوله: ﴿وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾، أي إلى الموت. وقيل: إلى قيام الساعة فتخرجون من القبور. وقيل ﴿إِلَىٰ حِينٍ﴾: إلى أجل قد علمه تعالى. وقال أبو موسى الأشعري: "إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض، علمه صنعة كل شيء، وزوَّده من ثمار الجنة، فثمركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير، وتلك لا تتغير". * * * قوله: ﴿فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ﴾. أي أخذها وقبلها. وقيل: ألهمها فانتفع بها إذا رفعت، ومَن نصب "آدم" فمعناه أن الكلمات رحمة من ربه أدركتْه قاستنقذته. فالكلمات فيما روي عن ابن عباس [قول آدم]: أي رب: ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، ثم قال: أي رب ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى. ثم قال: أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، ثم قال: أي رب. أرأيت إن تبتُ وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. فذلك تَلَقّيه". وزاد قتادة أنه قال: "وسبقت رحمتك إلي قبل غضبك، قيل له: بلى. قال: رب هل كتبت هذا علي قبل أن تخلقني؟ قيل له: نعم. قال رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم". وقال الحسن: "هو قولهما: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ الآية". وقال قتادة: "هي قول آدم عليه السلام: يا رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ قال: إذاً أدخلك الجنة". وقال عبيد بن عمير: "قال آدم: يا رب خطيئتي التي أخطأتها، أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني؟ [أو شيء أنا ابتدعته] من قبل نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته علي فاغفرْهُ لي، فذلك الذي تلقى آدم". وقال عبد الرحمن بن زيد بن معاوية: "قال آدم: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فذلك الذي تلقى". وروي عن مجاهد أنه قال: "هو قول آدم: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم". وروي عنه أنه قال: "هو قول آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ الآية". وروى عنه ابن جريج أنه قال: "هي قول آدم: رب أتتوب عَلَيَّ إن تبت؟ قال: نعم. فتاب عليه ربه". روي أن آدم رأى كَلِماً في الجنة مكتوب: لا إله إلا الله محمد عبدي ورسولي، فعلم آدم أن محمداً ﷺ أكرم الخلق عليه، فقال حين أخطأ: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي، فغفر الله له". وكانت كنيته أبا محمد، وقيل: أبا البشر. فذلك قوله: ﴿فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ﴾. قال ابن عباس: "تاب الله على آدم يوم عاشوراء".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب