الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾. أي: وتفرقوا في دينهم الذي قضى الله به عليهم ودعاهم إليه فصاروا فيه أحزاباً، فتهودت اليهود وتنصرت النصارى، وعبدت الأوثان. * * * ثم قال تعالى: ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾. أي: كلهم على اختلاف أديانهم، إلينا يرجعون. أي: إلى حكمنا فيهم، فنجازي كلاً بما صنع. وهذا كلام فيه تهديد ووعيد. قال ابن زيد: "وتقطعوا أمرهم" أي: اختلفوا في الدين. ثم قال: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. أي: فمن يعمل من هؤلاء الذين تفرقوا في دينهم بما أمره الله، وهو مقر بتوحيد الله. ﴿فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾. أي: فإن الله يشكر عمله الذي عمل ويثيبه عليه في الآخرة. ومعناه: إذا لم يكفر بنبي بعث إليه ولا بمن قبله من الأنبياء ولا بكتاب نبيه ولا بكتاب من تقدم من الأنبياء. فـ "من" للتبعيض. أي: من يعمل شيئاً من الصالحات وهو مؤمن. وقيل: "من" زائدة. والأول أحسن. إذ لا يحكم على الزيادة إلا بدليل ظاهر. ولا دليل يدل على ذلك. وأيضاً: فإن في تقدير زيادة "من" تكليف غاية العمل. وهذا لا يقدر عليه ولا يكلف الله نفساً فوق طاقتها، فمن ذا الذي يقدر على عمل الصالحات كلها؟. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾. أي: نكتب أعماله الصالحة لنجزيه على صغيرها وكبيرها. ومعنى كتبت: جمعت. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي: وحرام على قرية أهلكهم الله بالطبع على قلوبهم، والتمادي على الكفر، أن يرجعوا إلى الإيمان والتوبة. هذا معنى قول عكرمة وهو اختيار الطبري. وقيل: المعنى: وحرام على [أهل] قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا. و "لا" زائدة. ومعنى "وحرام": وجب أن لا يرجعوا وعزم أن لا يرجعوا إلى توبة، ولا بعد موت. قال ابن عباس: في معنى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ...﴾ الآية. وجب أنهم لا يرجعون. وقال أبو عبيدة: "لا" زائدة. "وحرام": على بابها. بمعنى المنع. وقال أبو إسحاق: "لا" غير زائدة. و "حرام": على بابها. والتقدير: حرام على أهل قرية، أهلكناها أن يُتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون ولا يتوبون. ثم قال تعالى ذكره: ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾. أي: فتح سد يأجوج ومأجوج. روى حذيفة بن اليمان أن النبي ﷺ قال: "أول الآيات الدجال ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا والدابة ثم يأجوج ومأجوج. قال حذيفة: قلت يا رسول الله، ما يأجوج ومأجوج. قال: يأجوج ومأجوج أمة. كل أمة مائة ألف أمة لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه وهم ولد آدم فيسيرون إلى خراب الدنيا ويكون مقدمتهم بالشام، وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة طبرية حتى يأتوا بيت المقدس فيقولون: قد قتلنا أهل الدنيا فقاتلوا من في السماء، فيرمون بالنشاب إلى السماء، فترجع نشابهم مخضبة بالدم. فيقولون: قد قتلنا. من في السماء. وعيسى والمسلمون بجبل طور سنين، فيوحي الله جل وعز إلى عيسى أن أحرز عبادي بالطور وما يلي أيلة. ثم إن عيسى عليه السلام يرفع يده إلى السماء ويؤمن المسلمون فيبعث الله عليهم دابة يقال لها النغف تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى حتى تنتن الأرض من جيفتهم فيجأر الناس والأرض إلى الله تعالى منهم، فيأمر الله السماء فتمطر كأفواه القرب، فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها قال أبو العالية: إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الأنس الضعف. وأن الجن يزيدون على الإنس الضعف، وأن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج. قال عمر البكالي: إن الله جل وعز جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء. فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذين يحملون العرش، ثم هم أيضاً الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال: ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته، ثم جزأ الجن والإنس عشرة أجزاء، فتسعة منهم الجن، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة، ثم جزأ الإنس عشرة أجزاء، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج، وسائر الناس جزء [واحد]. وقال ابن عباس: يأجوج ومأجوج أمتان، في كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف من صلبه فصاعداً؟ وعنه أنه قال: الأرض سبعة أجزاء، ستة منها فيها يأجوج ومأجوج وجزء [واحد] فيه سائر الخلق. ومن جعل يأجوج ومأجوج مشتقاً، أجاز همزة، وهو مشتق من أجة النار، وهو حرها. ومنه أجة الحر، ومنه ملح أجاج. ولم يصرفه لأنه جعله اسماً للقبيلة وهو معرفة، ووزنها: فاعول ومفعول، ويجوز في قراءة من لم يهمز أن يكونا أعجميين، وأن يكونا مشتقين. وخففت الهمزة. وقال الأخفش: يأجوج من يججت ومأجوج من مججت وقوله: ﴿وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾. قيل: يعني بني آدم يخرجون من كل موضع دفنوا فيه، يعني الحشر. قاله مجاهد. وقال ابن عمر عنى به يأجوج ومأجوج، يخرجون من كل مكان يفسدون في الأرض. ومعنى: "من كل حدب" أي: من كل نشز، ومن كل شرف وأكمة. قال ابن زيد: هو مبتدأ يوم القيامة. و "ينسلون": يمشون مسرعين كنسلان الذئب. يقال: نسل ينسل وينسل، إذا أسرع وتقارب خطوة. قال عطية الحوفي: يأجوج ومأجوج أمتان، في كل أمة أربع مائة ألف أمة، لا يشبه بعضهم بعضاً، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر في مائة عين من ولده. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن الرجل منهم ليموت فيدع لصلبه من الذرية ألفاً فصاعداً، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عدتهم إلا الله تعالى مسنك وتأريس وتأويل، وخروجهم بعد خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام. قال كعب الأحبار: عرض أسكفة باب يأجوج ومأجوج السفلى أربعة وعشرون ذراعاً، فتفتحها حوافر خيلهم، والعليا عرضها إثنا عشر ذراعاً، فتفتحها أسنة رماحهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب