الباحث القرآني

قوله: ﴿فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ..﴾ الآية معناه: فلما (علم) عيسى ﷺ أنهم يريدون قتله وأحس بمعنى: وجد وعلم برزية أو غيرها. يقال: أحس الأمر إذا علمه، وحس القوم قتلهم، والحس حس الدابة من الغبار، والحس ضد البرد. وقيل معناه: فلما علم عيسى ﷺ الجحود به، والتكذيب له. ﴿مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ﴾ أي: من أعواني على هؤلاء (مع الله). وإلى بمعنى: "مع". وكان من قصة عيسى ﷺ ما حكاه السدي في حكاية طويلة نذكر معناها مختصراً، قال: كذبت بنو إسرائيل عيسى ﷺ، وأخرجته حين دعاهم إلى الإيمان به، فخرج هو وأمه، فنزل على رجل، فأضافهما وأحسن إليهما، وكان على تلك المدينة جبار معتد (فجاء) صاحب البيت يوماً وعليه، حزن وهم، فقالت مريم لزوجته: ما شأن زوجك؟ أراه حزيناً؟ فأبت أن تخبرها بشيء، فقالت لها مريم: أخبريني لعل الله عز وجل يفرج كربته، قالت المرأة لمريم: إن لنا ملكاً جباراً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم من الخمر، فإن لم يفعل عاقبه، وقد بلغت نوبته اليوم علينا [وليس معنا سعة، فقالت مريم لها: فقولي له: فلا يهتم فإني آمر ابني [أن] يدعو له، فَيُكْفَى]. فقالت مريم لعيسى ﷺ في ذلك، فقال عيسى ﷺ: "يا أمه إني إن فعلت كان في ذلك شر، قالت: فلا تبال، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا، فقال عيسى ﷺ فقولي له: إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني، فلما ملأهن أعلمه فدعا عيسى ﷺ الله عز وجل فحول ما في القدور لحماً ومرقاً وخبزاً وما في الخوابي خمراً لم ير مثله، فلما جاء الملك أكل وشرب فقال: من أين لك هذا؟ وتقصى عليه حتى أخبره فقال: عندي غلام لا يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه وأنه دعا الله حتى جعل الماء خمراً، وكان قد توفي للملك ابن، فقال: إن رجلاً دعا الله حتى رد الماء خمراً ليستجيبن له حتى يحيي ابني، فدعا عيسى ﷺ، فكلمه وسأله أن يدعو الله فيحيي ابنه - فقال عيسى ﷺ: "لا تفعل [فإنه إن] عاش كان شراً، فقال الملك: لا أبالي أراه فقط، فاشترط عليه عيسى ﷺ أن يحيي ولده، ويتركه هو وأمه يخرجان فشرط له ذلك فدعا الله تعالى، فقام الغلام، وانصرف عيسى ﷺ. فلما رأى أهل المملكة الغلام عاش تنادوا بالسلاح وقالوا: قد أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه، فاقتلوه. ومر عيسى ﷺ وأمه فصحبهما يهودي وكان مع اليهودي رغيفان، ومع عيسى ﷺ رغيف فقال له عيسى ﷺ: تشاركنا؟ فقال اليهودي: نعم، فلما رأى اليهودي أن ليس مع عيسى إلا رغيف ندم فلما نام جعل اليهودي يأكل الرغيف، فلما أكل لقمة قال له عيسى ﷺ: ما تصنع؟ فيقول: لا شيء حتى فرغ [من] الرغيف كله، فلما أصبحا قال له عيسى ﷺ: طعامك فجاء برغيف، فقال له عيسى ﷺ: أين الرغيف الآخر؟ قال: ما كان معي إلا واحد. ثم انطلقوا حتى مروا براعي غنم فقال عيسى ﷺ: يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك، قال الراعي: نعم، أرسل صاحبك يأخذها: فأرسل عيسى ﷺ اليهودي فجاءه بالشاة، فذبحوها وشووها ثم قال لليهودي: كل ولا تكسر عظماً. فأكلوا حتى شبعوا فرد عيسى ﷺ العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه، وقال: قومي بإذن الله. فقامت الشاة، فقال: يا صاحب الغنم: خذ شاتك فقال له الراعي: من أنت؟ قال: أنا عيسى إبن مريم، قال له: أنت الساحر، وفر منه، فقال عيسى ﷺ لليهودي: بالذي أحيى هذه الشاة بعدما أكلناها، كم كان معك رغيفاً؟ فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد. فمروا بصاحب بقر، فسأله عيسى ﷺ عجلاً فأعطاه عجلاً فذبحه، وشواه وأكله، وصاحب البقر ينظر، ثم جمع عيسى ﷺ العظام في الجلد وقال: قم بإذن الله، فقام وله خوار، فقال: يا صاحب البقر، خذ عجلك فقال: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى، قال: عيسى الساحر، ثم فر منه، فقال عيسى ﷺ لليهودي: بالذي أحيى الشاة بعدما أكلناها، والعجل بعدما أكلناه، كم كان معك رغيفاً؟ فحلف بالله ما كان معه إلا رغيف واحد. ثم انطلقا حتى أتيا قرية، فنزل عيسى ﷺ في أسفلها واليهودي في أعلاها، فأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى ﷺ وقال: أنا أحيي الموتى وكان يملك تلك القرية مرض شديد فانطلق اليهودي ينادي من يبتغي طبيباً؟ حتى أتى باب الملك، فأخبر بمرض الملك فقال: أدخلوني عليه فأنا أبرئه، فدخل عليه فأخذ برجله، وضربه بالعصا كما كان عيسى ﷺ يفعل، فمات الملك من الضربة فأخذ اليهودي ليصلب فبلغ عيسى ﷺ الخبر، فأتى ووجده قد رفع على الخشبة [فقال]: أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم أتتركو لي صاحبي؟ قالوا: نعم، فأحيى عيسى ﷺ الملك، وأنزل اليهودي فقال: يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة، والله لا أفارقك أبداً، قال له عيسى ﷺ: أنشدك بالذين أحيى الشاة والعجلة بعدما أكلناها وأحيى هذا بعد [ما] مات، وأنزلك من الجذع بعدما رفعت عليه كم كان معك رغيفاً؟ فحلف اليهودي بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا حتى مرَّا على كنز قد حفرته السباع فقال اليهودي: يا عيسى هذا المال؟ فقال له عيسى ﷺ: دعه فإن له أهلاً يهلكون عليه وجعل اليهودي يتشوق إلى المال، ويكره أن يعصي عيسى ﷺ، فانطلقا. ومر بالمال بعدهما أربعة نفر، فلما رأوه اجتمعوا عليه فقال اثنان لصاحبيهما: انطلقا فابتاعا لنا طعاماً ودواباً نحمل عليها هذا المال، فانطلق الرجلان فابتاعا ذلك فقال أحدهما لصاحبه: هل لك أن تجعل لصاحبينا في طعامهما سماً؟ فإذا أكلا ماتا، فيصير المال بيني وبينك، فقال الآخر: نعم، ففعلا، وقال الآخران الباقيان مع المال: إذا أتى صاحبانا فليقم كل واحد منا إلى صاحبه فيقتله فيكون الطعام والمال بيننا، فاتفقا على ذلك. فلما جاء صاحباهما، قتلاهما، ثم قعدا على الطعام فأكلا منه، فماتا، فرجع عيسى ﷺ إلى المال فوجد القوم عليه موتى، فقال لليهودي: أخرجه حتى نقسمه، فأخرجه اليهودي فجعل عيسى ﷺ يقسمه على ثلاثة، فقال اليهودي: اتق الله ولا تظلمني، فإنما هو أنا وأنت، ما هذه الثلاثة؟ فقال له عيسى ﷺ: هذا لي، وهذا لك، وهذا لصاحب الرغيف، قال اليهودي: وإن أخبرتك بصاحب الرغيف تعطيني هذا المال؟ قال [عيسى] ﷺ: نعم، قال: أنا هو، فقال له عيسى ﷺ: خذ حظي وحظك، وحظ صاحب الرغيف، فهو حظك من الدنيا والآخرة، فلما حمله مشى [به] شيئاً فخسف به. وانطلق عيسى ﷺ فمر بالحواريين وهم يصطادون السمك فأعلمهم بنفسه فآمنوا به وانطلقوا معه فذلك قوله: ﴿مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ﴾. وقيل: إنما سموا حواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين. وقيل: سموا بذلك لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب. وقيل: كانوا غسالين يغسلون الثياب. وقال قتادة: "الحواريون خاصة الأنبياء الذين تصلح لهم الخلافة. وقال الضحاك: الحواريون الأصفياء الأنبياء صلوات الله عليهم. وروي أن مريم دفعت عيسى ﷺ في صغره في أعمال شتى، وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وهم الذين يبيضون الثياب، ويصبغونها فأراهم آيات وصبغ لهم ألواناً شتى من ماء واحد فآمنوا به واتبعوه. وروي أنه أدخل ثياباً كثيرة بيضاء في خابية واحدة وخرجت مختلفة الألوان كما أرادوا، فعجبوا من ذلك، وأيقنوا أنه ليس بسحر فآمنوا [به] واتبعوه. * * * قوله: ﴿وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ هذا قول الحواريين لعيسى ﷺ، فدل ذلك أن عيسى ﷺ كان على ذلك، لا على اليهودية ولا على النصرانية ولكن كان مسلماً وكذلك برأ الله إبراهيم ﷺ من سائر الأديان إلا من الإسلام. قول: ﴿فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾ أي: أثبت أسماءنا مع أسماء من يشهدون بالحق، وأقروا بالتوحيد، واجعلنا في عددهم وهذا كله احتجاج على أهل نجران الذين خالفوا النبي ﷺ في أمر عيسى ﷺ، فأخبروا أن قول من اتبع عيسى كان خلاف قولهم. وقال ابن عباس: (اكتبنا مع الشاهدين)، قال مع محمد ﷺ، وأمته الذين شهدوا له أنه قد بلغ الرسالة، وشهدوا للرسل عليهم السلام أنهم قد بلغوا. * * * وقوله: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ﴾: هذا إخبار عن الذي أَحَسَّ عيسى منهم الكفر وهو ما اجتمعوا عليه من قتل عيسى ﷺ، وتكذيبه فيما أتى به، فمكرهم هو ما نووا من قتله، ومكر الله سبحانه ما ألقى من الشبه على بعض أتباع عيسى ﷺ حتى قتله الماكرون يظنونه عيسى ﷺ، ثم رفع الله عيسى ﷺ. وقيل المكر من الله جل ذكره الاستدراج والإمهال، وذلك أن بني إسرائيل حصروا عيسى ﷺ، ومعه تسعة عشرة رجلاً من الحواريين في بيت، فقال عيسى لأصحابه، من يأخذ صورتي فيقتل وله جنة؟ فأخذها رجل منهم ورفع الله عيسى إلى السماء ثم خرج الحواريون فأخبروا أن عيسى ﷺ رفع إلى السماء فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة ويرون، صورة عيسى ﷺ فيهم فشكوا فيه، فقتلوه وصلبوه يرون أنه عيسى ﷺ، ويروى أن اليهود كفروا بعيسى ﷺ، وهموا بقتله، وكان مع عيسى رجل من اليهود آمن بعيسى فدل على عيسى فحوله [الله] في صورة عيسى، فأخذه بنو إسرائيل، فقتلوه، وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى ﷺ، فذلك قوله: ﴿وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾. والمكر: الحيلة، المكيدة، والمكر من الله سبحانه عقوبة، وجزاء من حيث لا يعلم العبد. * * * قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ قيل هي وفاة نوم. ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ في نوم قال ذلك الربيع. وقيل معناه إني قابضك من الأرض حياً ورافعك إلي، وذلك أن عيسى لما رأى كثرة من كذبه، وقلة من اتبعه شكا ذلك إلى الله عز وجل، فأوحى الله إليه ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. وقال النبي عليه السلام: كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها. وقال كعب: (يبعث) عيسى ﷺ على الأعور الدجال فيقتله ثم يعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة ثم يموت ميتة الحي. وحكي أن الله تعالى أوحى ذلك إلى عيسى ﷺ مع قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ وقال ابن زيد في قوله: ﴿تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً﴾ أن كلامه وهو كهل حين ينزل بقتل الدجال. وقيل معنى ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾: قابل عملك ومتقبله منك. وقال ابن عباس، معنى ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ هي وفاة موت (يعني) بعد نزوله من السماء. وقال وهب بن منبه: توفي عيسى ﷺ ثلاث ساعات ثم أحيي ورفع. والنصارى يزعمون أنه توفي سبع ساعات من النهار، ثم أحياه ورفعه. وقيل: إن الكلام تقديماً وتأخيراً. والمعنى: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد ذلك. وذلك إذا نزل لقتل الدجال في الدنيا، والواو يحسن فيها ذلك. وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال: الأنبياء أخوات لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني [وبينه] نبي وأنه خليفتي على أمتي، وأنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الشعر، كأن شعره يقطر وإن لم يصبه بلل، يدق الصليب، ويقتل الخنزير ويقبض المال، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله الملل كلها، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذَّاب، وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان مع الحيات، لا يضر بعضهم بعضاً، يلبث في الأرض [أربعين سنة] ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه قوله: ﴿وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: هذا خطاب لعيسى ﷺ وأمته، جعلهم الله تعالى فوق اليهود: في النصر والحجة والإيمان بعيسى والتصديق به وقول الحق فيه. وقيل: هو خطاب لمحمد ﷺ. * * * قوله: ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا﴾ هو القتل والسبي وأداء الجزية ﴿وَٱلآخِرَةِ﴾ هو عذاب النار. * * * قوله: ﴿ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ﴾: الإشارة إلى ما تقدم من ذكر قصص الأنبياء والحجج ﴿وَٱلذِّكْرِ﴾ القرآن ﴿ٱلْحَكِيمِ﴾ المحكم أي: ذو الحكمة. قوله ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ..﴾ (و) هذا احتجاج على نصارى نجران، الذين خاصموه في عيسى وقالوا للنبي: بلغنا أنك تذكر صاحبنا، وتأول أنه عبد، قالوا له: هل رأيت عيسى؟ فأنزل الله ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ...﴾ الآية.. أي: خلق هذا من غير ذلك وهذا كذلك. وقيل: إنهم قالوا للنبي ﷺ: كل إنسان له أب فما شأن عيسى ﷺ ليس له أب فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وقوله ﴿خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ ابتداء المماثلة، وليس بمتصل بآدم ﷺ إنما هو تبيين قصة آدم ﷺ، لأن الماضي لا يكون حالا. * * * قوله: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ قال بعض أهل المعاني: إن هذا الكلام أتى على خبرين منفصلين، ولو كان على خبر واحد لكان خلقه له من تراب بغير ﴿كُن﴾ ويكون خلقه بـ ﴿كُن﴾ بعد خلقه له من تراب، وليس الأمر كذلك إنما أخبر تعالى أنه خلق آدم عليه السلام من تراب ثم أخبر آخر أنه قال له: ﴿كُن﴾ فكان، أي: قال له: كن خلقاً من تراب فكان ما أراد لأنه خلق من تراب بغير كن، فما يصنع بقوله تعالى ﴿لِمَا خَلَقْتُ [بِيَدَيَّ]﴾ [ص: ٧٥]، ثم قال له ﴿كُن﴾ بعد خلقه له من تراب على ما أراد بعد قوله كن، ولهذا نظائر كثيرة. وأبين هذا أن يكون المعنى: قد قدر خلقه من تراب فلما أراد تعالى ذكره إظهار ما قدر قال: ﴿كُن﴾ فكان ما قدر بقوله ﴿كُن﴾. * * * قوله: ﴿ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ أي: هو الحق، أي هذا الذي أنبأتك به هو الحق ﴿فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ﴾ أي: الشاكين ومعناه: قل يا محمد للشاكين في ذلك (لا تكن من الممترين). وقيل: هو خطاب لجميع الناس، وظاهر الخطاب للنبي ﷺ والمراد غيره. * * * قوله: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ﴾ أي: في عيسى وقيل في الحق الذي ذكر، ﴿مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ﴾ أي من بعدما بين لك فادعوهم إلى المباهلة، ومعنى نبتهل أي نجتهد في الدعاء باللعنة ﴿فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ﴾ على من كذب في أمر عيسى ﷺ. * * * قوله: ﴿وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ﴾ أي: أهل ديننا ودينكم فرضوا بالجزية وبأشياء شرطها عليهم يؤدونها. وروي أنهم قالوا: نباهلك فأخذ النبي ﷺ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوا ذلك نكصوا وعلموا أن اللعنة عليهم واقعة، فرضوا بالجزية ولم يباهلوا. وروي أن رئيسهم العاقب قال لهم: قد علمت أنه نبي وما لاعن نبي قوماً فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن فعلتم فهو استئصال، فوادعوا محمداً وانصرفوا إلى بلادكم فرضوا بالجزية، وبعث معهم النبي ﷺ أبا عبيدة بن الجراح ولم يباهلوه. قال ابن عباس: لو باهلوه لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا ولداً. * * * قوله: ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ﴾ أي: إن الذي أنبأتك به في أمر عيسى ﷺ أنه رسول، وكلمته ألقاها الله عز وجل إلى مريم: هو الحق ﴿وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ﴾ هذا رد على من جعل عيسى إله من أهل نجران وغيرهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب