الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ إلى قوله: ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾. أي: ومن علاماته وحججه على وحدانيته وأنه لا شريك له وأنه يحييكم بعد موتكم، أنه خلقكم من تراب، أي: خلق أصلكم وهو آدم من تراب. ﴿إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ﴾ أي: من ذرية من خلق من تراب. ﴿تَنتَشِرُونَ﴾ أي: تنصرفون وتنبسطون في الدنيا. ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾. أي: ومن أدلته وحجته في قدرته على إحيائكم بعد موتكم أنه خلق السماوات والأرض، وهن أعظم خلقاً منكم فاخترعها وأنشأها، وجعل ألسنتكم مختلفة في الأصوات واللغات، وجعل ألوانكم مختلفة على كثرتكم، وهذا ألطف خلقا من خلق أجسامكم، فأتى تعالى ذكره بتمثيل الخلق العظيم واللطيف. ﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي: لعلامات وأدلة في قدرة الله تعالى ووحدانيته، يعني: الجن والإنس. وهذا على قراءة من فتح اللام. ومن كسرها فمعناه لمن علم قدرة الله وأيقن بها. وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا﴾. أي: خلق لأبيكم آدم من ضلعه زوجة ليسكن إليها. وقيل: خلق الزوجة من نطفة الرجل. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ أي: بالمصاهرة والختونة يعطف بعضهم على بعض. قال ابن عباس: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن لا يمسها بسوء. وقال مجاهد: المودة الجماع، والرحمة الولد. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: لمن تفكر في الله ووحدانيته، أي: من قدر على هذا فهو قادر على إحياء الموتى، وأنه واحد لا شريك له. * * * ثم قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ﴾ أي: ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته على إحياء الموتى، أنه يقدر الساعات والأوقات، ويخالف بين الليل والنهار، فجعل النهار تبتغون فيه الرزق والمعاش، وجعل الليل سكناً لتسكنوا فيه وتناموا. وقيل: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله بالنهار، وحذف حرف الجر من النهار لاتصاله بالليل وعطفه عليه. والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة. ومثله في التقديم والتأخير قوله: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣]. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي: فيما نص من قدرته لدلالة وحججاً وعبرة وعظة لمن سمع مواعظ الله فيتعظ بها ويعتبر. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أي: ومن آياته أنه يريكم البرق. "وخوفاً وطمعاً" مفعولان من أجلهما. وقيل التقدير: ويريكم البرق خوفاً وطمعاً من آياته. والمعنى: من حججه وأدلته على توحيده وإحياء الموتى أنه يريكم البرق خوفاً للمسافر أن يؤذيه المطر، وطمعاً للمقيم أن يسقي زرعه وتخصب أرضه. ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أي: وينزل من السحاب مطراً فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة التي قد يبست ولم تنبت نبتاً، فتنبت بعد جدوبها. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي: يعقلونَ عن الله حججه وأدلته. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ أي: ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته قيام السماوات والأرض بأمره خضوعاً له بالطاعة بغير عمد. ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أي: إذا دعاكم للبعث خرجتم من بطن الأرض مستجيبين لدعائه إياكم. روي عن نافع أنه وقف "دعاكم دعوة". وكذلك قال يعقوب. ثم يتبدئ "من الأرض". ﴿إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أي: إذا أنتم تخرجون من الأرض. والوقف عند أبي حاتم: من الأرض". أي: دعاكم وأنتم في الأرض، كما تقول دعوت فلاناً من بيته. أي: وهو في بيته. والأحسن عند أهل النظر أن تقف على "تخرجون"، لأن إذا الثانية جواب للأولى على قول الخليل وسيبويه، كأنه قال: إذا دعاكم خرجتم. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾ أي: هم عبيد له ومُلك له، لا إله إلا هو. ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ أي: مطيعون. وطاعة الكفار منهم انقيادهم على ما شاء من صحة وسقم وفقر وغنى، روى الخدري عن النبي ﷺ قال: "كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرآنِ فَهُوَ طَاعَة قال ابن عباس: ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ أي: مطيعون في الحياة والنشوز من الموت وإن كانوا عاصين له في غير ذلك. وهو اختيار الطبري وقيل: معناه أنهم كانوا مقرين كلهم بأنه ربهم وخالقهم، دليله قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]. وقيل: معنى الآية الخصوص: يريد بها المؤمنين بالله خاصة. قال ابن زيد: ﴿قَانِتُونَ﴾ مطيعون وليس شيء إلا وهو قانت مطيع لله إلا ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. قال: والقنوات في القرآن الطاعة إلا في قوله جل ذكره: ﴿وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] معناه: ساكتين لا يتكلمون كما يفعل أهل الكتاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب