الباحث القرآني

قوله تعالى ذكره: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ﴾ إلى قوله: ﴿وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾. المعنى: أن الله جل ذكره أمر أصحاب النبي عليه السلام ألا يدخلوا عليه إلا أن يأذن لهم إلى طعام لم يكونوا منتظرين وقته وإدراكه. وإنّاه مصدر أنَّى يَأْتِي إِنّاً وَإِنْياً وَأَنًّا ممدود، وفيه لغة أخرى، يقال: أن يَئين أنْياً، ويقال في معناه: نَالَ لكَ وأنَالَ لكَ. ومعنى آن: حان. "وغير" منصوب على الحال من الكاف والميم في "لكم"، ولا يحسن خفضه على النعت لطعام لأنه لا يلزم منه إظهار الضمير، فتقول: غير ناظرين أنتم إناه، لأن اسم الفاعل إذا جرى صفة على غير من هو له، أو خبراً لم يكن بد من إظهار الضمير الذي فيه. والمعنى غير منتظرين حينه ونضجه. * * * ثم قال: ﴿وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ﴾ أي: إذا دعاكم رسول الله ﷺ إلى بيته لطعام فادخلوا. ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ﴾ أي: فتفرقوا إذا أكلتم من بيته. ﴿وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أي: لا متحدثين بعد فراغكم من أكلكم. وكان نزول هذه الآية في قول أكلوا عند رسول الله ﷺ في وليمة زينب بنت جحش، ثم جلسوا يتحدثون في مجلس رسول الله، ولرسول الله إلى أهله حاجة، فمنعه الحياء أن يأمرهم بالخروج من منزله. روى معنى ذلك أنس بن مالك، قال أنس: وكان قد أَوْلَمَ رسول الله بتمر وسَوِيقٍ. وكان أنس ذلك اليوم ابن عشر سنين. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر نساء النبي ﷺ بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله جل ذكره: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾. وهذا أدب لأصحاب النبي عليه السلام ولمن بعدهم. وقال قتادة: كان هذا في بيت أم سلمة أكلوا وأطالوا الحديث، فجعل النبي ﷺ يدخل ويخرج، ويستحي منهم والله لا يستحي من الحق. * * * ثم قال: ﴿إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ﴾ أي: دخولكم في بيت النبي من غير أن يؤذن لكم، وجلوسكم فيها مستأنسين لحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له كان يؤذي النبي فيستحي منكم أن يخرجكم منها. وأن يمنعكم من الدخول إذا دخلتم بغير إذن مع كراهته لذلك منكم. ﴿وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ﴾ أن يبينه لكم. * * * ثم قال: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ أي: وإذا سألتم أزواج النبي ﷺ طعاماً أو غيره فخاطبوهن من وراء حجاب، أي: من وراء ستر ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. ثم قال جل ذكره: ﴿ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ أي: مخاطبتكم لهن من وراء حجاب أطهر لقلوبكم، وقلوبهن من عوارض الفتن. وذكر مجاهد أن النبي ﷺ كان يطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره ذلك النبي، فنزلت آية الحجاب. وروى أنس أن عمر قال: "قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ إنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، قال فنزلت آية الحجاب. وروي: "أنَّ سُودَة خرجَت ليلاً لِلبِرازِ عشاءً، وكانت طويلة فناداها عُمَر بِصَوْتِهِ الأَعلى: "قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سُودَة حِرْصاً على أن يَنْزِلَ الحِجَابُ فنزلَت آيةُ الحِجَابِ ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً﴾ أي: ما ينبغي ولا يصلح لكم أذى نبيكم ولا نكاح أزواجه من بعده لأنهن أمهاتكم، فلهن حرمة الأمهات. روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت آية الحجاب قال رجل من أصحاب رسول الله: أينهانا رسول الله ﷺ أن ندخل على بنات عمنا، أما والله لئن مات رسول الله وأنا حَيٌّ لأتزوجن عائشة، فأنزل الله تعالى وجل ذكره: ﴿وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً﴾ إلى: ﴿عَلِيماً﴾. فأعلمهم أنه يعلم ما يخفون في أنفسهم وما يبدون. قال قتادة: قال رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام: إن مات رسول الله تزوجت فلانة، امرأة من أزواج النبي. قال معمر: الذي قال هذا طلحة لعائشة. * * * ثم قال: ﴿إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً﴾ أي: إن أذاكم نبيكم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيماً من الإثم. * * * ثم قال تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ أي: إن تظهروا شيئاً بألسنتكم من جميع الأمور أو تخفوه في قلوبكم فلا تظهروه، فإن الله كان بكل شيء ذا علم لا يخفى عليه شيء. * * * ثم قال تعالى: ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ﴾ أي: لا إثم على أزواج النبي في الظهور إلى آبائهن ولا إلى من ذكر بعد ذلك من ذوي المحارم. قال مجاهد: معناه: لا إثم عليهن في أن تضع الجلباب ومعها من ذكر. وقال قتادة: رخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم. وهذا القول أليق بسياق الآية. والآية عامة في أزواج النبي عليه السلام وأزواج المؤمنين ألا يحتجب من الآباء ولا من الأبناء ولا من الإخوة ولا من أبناء الإخوة. قال الشعبي: ولم يذكر في ذلك العم حذاراً من أن يصفهن لأبنائه. وكره الشعبي وعكرمة أن تضع خمارها عند عمها وخالها، لأنهما يصفانها إلى ابنيهما، ونكاحها إلى كل واحد من ابنيهما يحل. وقيل: إنما لم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقوله: ﴿وَلاَ نِسَآئِهِنَّ﴾ أي: ولا يحتجبن من نساء المؤمنين. وقال ابن زيد: هذا كله في الزينة، وقوله: ﴿وَلاَ نِسَآئِهِنَّ﴾ يعني المؤمنات الحرائر، قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورات المرأة. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ يعني المماليك. قال ابن زيد: كان أزواج النبي ﷺ لا يحتجبن من المماليك. قيل: إن ذلك في النساء من المماليك خاصة. وقيل: في النساء والرجال من المماليك. * * * ثم قال تعالى: ﴿وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ﴾ أي: وخفنَ الله أن تتحدَّيْنَ في ما حدّ الله لكن في الحجاب. ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ هو شاهد على ما تفعلنه من حجابكن وغير ذلك من أموركن. ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ﴾. أجاز الكسائي رفع الملائكة. وأجاز: إن زيداً وعمرو متطلقان. ومنعه جميع النحويين في البسملة. وأجازه بعضهم في الآية على حذف، والتقدير: إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون على النبي، ثم حذف من الأول لدلالة الثاني وقد قدر بعض النحويين هذا التقدير في الآية مع النصب، وقال: يبعد أن يجتمع ضمير الله جل ذكره مع غيره إجلالاً له وتعظيماً، ثم استدل على ذلك بإنكار النبي ﷺ على الذي قال: ما شاء الله وشئت فقال: "ما شاء اللهُ، ثُمَّ شِئْتَ" فالواو كالجمع. فالمعنى : إن الله وملائكته يباركون على النبي، قاله ابن عباس. وقيل: التقدير: إن الله يرحم على النبي وملائكته يدعون له، فهذا التقدير أيضاً مما يقوي تقدير الحذف من الأول، ويكون يصلون للملائكة خاصاً لأن الصلاة من غير الله دعاء، وقد علمنا النبي ﷺ كيف نصلي عليه، فقال: "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى محَمد وعلَى آلِ مُحَمَدٍ كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وبَارك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمدٍ كَمَا بَارَكتَ عَلَى إبْراهيم في العَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجيدٌ، والسَّلاَمُ كَمَا قَد عَلمتُم
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب