الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، إلى قوله: ﴿وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾. أكثر المفسرين على أنه من السؤال، ونزلت في (النضر بن الحارث) حين قال: ﴿ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ...﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية. وأصله الهمز. قال ابن عباس: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع [بهم]. قال مجاهد: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ أي: دعا داع بعذاب الله وهو واقع بهم في الآخرة، قال: وهو قولهم ﴿ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ﴾ الآية. قال ابن عباس: [هو قول] النضر بن الحارث بن كلدة. وقال قتادة: (سأل عذاب الله أقوام، فبين الله على من يقع)، على الكافرين. (وروى عروة بن ثابت أنه من السيلان وأنه واحد من أودية جهنم يقال له: سائل. فتكون الهمزة بدلاً من "يا" في سائل. * * * وقوله: ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ معناه بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم. وقيل (للكافرين). معناه: على الكافرين، قاله الضحاك، وكذلك هي في قراءة أبي: "على الكافرين"). وقال الفراء: التقدير: بعذاب للكافرين واقع، ولا يجوز عندهم تعلق. "للكافرين" بـ "واقع". وقال الحسن: أنزل الله جل وعز ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ فقالوا: لمن هو؟ وعلى من يقع؟ فأنزل الله: ﴿لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾، فهذا يدل (على) تعلق اللام بـ "واقع". فأما الباء في ﴿بِعَذَابٍ﴾ فإن المبرد يقول: هي متعلقة بالمصدر الذي دَلَّ عليه الفعل. وقال غيره: هي زائدة بمنزلة قوله ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥]. والباء - في قول من جعله من السؤال - بمعنى "عن"، وهو قول الحسن، وقاله من أهل اللغة ابن السّكّيت. - وقوله ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾. أي: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله رادٌّ يرده عنهم. - وقوله ﴿ذِي ٱلْمَعَارِجِ﴾: أي: ذو العلو والدرجات والفواضل والنعم، قاله ابن عباس وقتادة. وعن ابن عباس: ﴿ذِي ٱلْمَعَارِجِ﴾ ذي الدرجات. وقيل: إن الملائكة تعرج إليه، فنسب (ذلك إلى نفسه). * * * - ثم قال تعالى: ﴿تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ﴾. أي: تصعد الملائكة والروح - وهو جبريل عليه السلام إلى الله. * * * ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾. أي: كان مقدار صعودهم ذلك - لغيرهم من الخلق - خمسين ألف سنة، وهم يصعدون في يوم يقدره الله، وذلك أنها تصعد من منتهى أمر الله جل ذكره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع، هذا معنى قول مجاهد. قال مجاهد: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة: ٥] يعني بذلك نزول الوحي من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقداره ألف سنة؛ لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة. وقال عكرمة: ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قال: في يوم واحد من القضاء كعدل خمسين ألف سنة. وروى عكرمة عن ابن عباس: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قال: هو يوم القيامة. وهو قول [مجاهد] وقتادة. وقيل: المعنى: لو حكم في ذلك اليوم أعقل الناس وأعدلهم لأقام خمسين ألف سنة قبل أن يحكم بين اثنين. والروح: جبريل عليه السلام. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة للكافرين. أي: ذلك اليوم على الكافرين في صعوبته كقدر صعوبة خمسين ألف سنة. * * * - ثم قال ﴿تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ قال ابن عباس: جعل الله يوم القيامة على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، أي: محاسبة الله الخلق [فيه] وإثابتهم أو معاقبتهم مقدار خمسين ألف سنة لو كان غير الله المحاسب والمجازي. ودل على هذا المعنى ما روى أبو سعيد الخدري أنه قيل للنبي عليه السلام: ما أطول هذا اليوم! فقال: "إنه على المؤمن أخف من صلاة مكتوبة يصليها" وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الدنيا كلها من أولها إلى آخرها خمسونَ ألف سنة، لا يدري أَحَدٌ كَمْ مضى منها، ولا كَمْ بقي. وروى (عن) ابن عباس توقف عن تفسيره. (وقد قال مجاهد (في قوله) تعالى): ﴿تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ قال: الروح خلق الله مع الملائكة لا تراهم الملائكة كما لا ترون أنتم الملائكة. * * * - ثم قال: ﴿فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾. أي: فاصبر يا محمد على أذاء هؤلاء المشركين لك، ولا يمنعك ما تلقى منهم من المكروه من تبليغ ما أمرك الله (به) من الرسالة (إليهم). * * * ومعنى ﴿جَمِيلاً﴾: أي: لا حرج فيه، قال ابن زيد: هذا منسوخ، إنما كان قبل الأمر بالقتال، ثم أمر بالقتال والغلظة (عليهم) والشدة، وقيل: هو محكم؛ لأن النبي عليه السلام لم يزل صابراً عليهم محتملاً. ويقال: الصبر الجميل في المصائب ألا يُعرَف صاحبُ المصيبة بين جماعته [لتجلده] في صبره [واحتسابه]. * * * - ثم قال: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾. (أي): إن هؤلاء [المشركين] - الذين سألوا العذاب الواقع عليهم - يرون وقوع العذاب عليهم بعيداً إذ لا يصدقون به، ونحن نراه قريباً؛ لأنه كائن لا بد منه، وكل ما هو كائن فهو قريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب