الباحث القرآني

قوله: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾، إلى قوله: ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾. والمعنى: وما كان الله ليعذِّب هؤلاء الذين تمنوا العذاب وأْنت مقيم بين أظهرهم. وكان قد نزلت عليه وهو مقيم بمكة. ثم خرج النبي ﷺ، من مكة، فاستغفر من بها من المؤمنين، فنزلت عليه بعد خروجه: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. ثم خرج أولئك البقية من المؤمنين، فأنزل الله، عز وجل: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، الآية، بالمدينة، فعذَّب الله، (عز وجل). الكفار، إذْ أذِنَ للنبي ﷺ، بفتح مكة، فهو العذاب الذي وُعِدوا به. قال ذلك ابن أبي أبزى. وقال أبو مالك نزل الجميع بمكة، فقوله: ﴿وَمَا كَانَ [ٱللَّهُ] لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾، يعني: النبي ﷺ، ﴿وَمَا كَانَ [ٱللَّهُ] مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، يعني: من بِها من المسلمين ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني: من بمكة من الكفار. فمعنى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، أي: خاصة، فعذبهم الله (عز وجل). بالسيف، وفي ذلك نزلت: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١]، الآية. وهو النَّضْر. سأل العذاب. ورُوِيَ عن ابن عباس [أنَّ] المعنى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾، يا محمد، أيْ: حتى نخرجك من بين أظهرهم، ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، قال: كان المشركون يطوفون بالبيت يقولون: "لبَّيْك لبَّيْك، لا شريك لك"، فيقول النبي ﷺ "قَدْ، [قَدْ]"، فيقولون: "إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"، ويقولون: "غُفرانك، غُفرانك"، فهذا استغفارهم. قال: وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني في الآخرة. وقال قتادة المعنى: ﴿وَمَا كَانَ (ٱللَّهُ) مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: لو استغفروا لم يعذّبهم، ولكنهم ليس يستغفرون، فلذلك قال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، وهم لا يستغفرون، ويصدون عن المسجد الحرام. وهو اختيار الطبري. قال: كما نقول: "ما كنتُ لأُحسن إليك وأنت تسيء إليَّ"، يراد به: لا أحسن إليك إذا أسَأْتَ إليَّ، أي: لو أسَأْتَ إِلَيَّ لم أُحسن إليك. وكما قال: ؎ بِأَيْدِي رِجالٍ لَمْ يَشِيمُوا سُُيُوفَهُمْ ∗∗∗ وَلَمْ تَكْثُرِ الْقَتْلَى بِهَا حِين سُلَّتِ أي: إنما شاموها بعد أن كثرت القتلى. وشمتُ السيف من الأضداد، شمتُه: سللته وأغمدته. وقال بعض العلماء: هما أمانان أنزلهما الله عز وجل، فالواحد قد مضى وهو النبي ﷺ، والثاني باق وهو استغفار من الذنوب، فمن استغفر (أمِنَ) من نزول العذاب به في الدنيا. وقال ابن زيد معنى: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: لو استغفروا لم أعذبهم. وهم لا يستغفرون، فما لهم ألاَّ يُعَذَّبوا. وهو قول قتادة الأول. ومعنى ذلك قال السدي. وقال عكرمة المعنى: لم يكن الله ليعذبهم وهم يُسلمون. و "الاستغفار" هنا: الإسلام. وقال مجاهد: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: وهم مسلمون، ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني: قريشاً، بصدهم ﴿عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾. ورُوِيَ عن ابن عباس، أيضاً أنَّه قال: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، [أي:] فيهم من سبق له [من الله] الدخول في الإسلام، فاستغفار مقدر فيهم يكون قال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني: يوم بدر بالسيف. ورُوِيَ عنه أيضاً: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾: وهم يصلون. ورُوِيَ عنه أيضاً: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وفيهم مؤمنون يستغفرون، فلما خرجوا مع النبي ﷺ، أنزل الله عز وجل: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني: من بقي من الكفار بمكة. وعن مجاهد أيضاً: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾: يصلون. وكذلك قال الضحاك. ورُوِيَ عن عكرمة، والحسن أنهما قالا: قوله: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، يعني: المشركين، ثم نسخ ذلك قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ [ٱللَّهُ] وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾. وقيل المعنى: وأولادهم يستغفرون، قد سبق في علم الله، عز وجل، أنهم يؤمن أولادهم ويستغفرون، فلم يكن ليعذب هؤلاء بالاستئصال. وقد سبق أنهم يلدون من يؤمن ويستغفر. وقيل المعنى: وفيهم من يستغفرون. وهم من كان بمكة بين أظْهُرهم من المؤمنين لم يخرجوا بعد من المستضعفين وغيرهم، وقاله الضحاك. قال: وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، يعني: الكفار خاصة. قال مجاهد: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾: يصلون، يعني: من بمكة من المؤمنين. * * * وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾. "أنْ": في موضع نصب. والمعنى: وأي شيء لهم في دفع العذاب عنهم. وهذه حالهم. وقيل: هي زائدة. وقيل المعنى: وما كان يمنعهم من أن يعذبوا. وهذه حالهم. * * * قوله: ﴿وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ﴾. يعني: مشركي قريش. * * * ﴿إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ﴾. يعني: أصحاب النبي ﷺ. وقال مجاهد ﴿إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ﴾، أي كانوا أو حيث كانوا. * * * ﴿وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾. أي: أكثر المشركين: ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾، أنّ أولياء الله هم المتقون، بل يحسبون أنهم هم أولياء الله. ومن قال: إنّ قوله: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، يعني به المؤمنين، وقف على: ﴿وَأَنتَ فِيهِمْ﴾؛ لأن الأول للكافرين، والثاني للمؤمنين، وهو قول الضحاك، وعطية، وابن عباس في بعض الروايات عنه. ومن قال: إنّ الكلام كله للكفار، وهو ما روي عن ابن عباس، وأبي زيد، والسدي، لم يقف على: ﴿وَأَنتَ فِيهِمْ﴾. ﴿وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ﴾، وقف. والأحسن في هذه الآيات أن يكون المعنى: أن منهم من سيؤمنُ فيستغفر، وقد علم الله عز وجل، ذلك منهم، فهو قوله: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: سيكون منهم ذلك، ومنهم من يموت على الكفر، علم الله ذلك منهم، فهم الذين قيل فيهم: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ﴾، والسورة مدنية كلها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب