الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ﴾، إلى قوله: ﴿(إِلَىٰ أَهْلِهِ) مَسْرُوراً﴾. أي: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبواباً. قال الفراء: تنشق بالغمام. * * * - وقوله: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾. أي: وسمعت السماء (في) تصديعها وتشققها لربها فأطاعت له. والعرب تقول: أذِنَت إلى هذا الأمر آذنُ، بمعنى: استمعت. ومنه الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: "ما أذِنَ الله لشيءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغنّى بالقرآن". يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن. وقال ابن عباس: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ أي: "سمعت لربها". وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك وسفيان. * * * وقوله: ﴿وَحُقَّتْ﴾، أي: وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق. قال ابن عباس: ﴿وَحُقَّتْ﴾، أي: وحقت بطاعة ربها. وقال ابن جبير: ﴿وَحُقَّتْ﴾ أي: ويحق لها أن تسمع وتطيع. وقاله أبو عبيدة. * * * - ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ﴾. أي: بسطت فريد في سعتها. وروى الزهري عن علي بن حسينٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إذَا كَان يَومُ القِيَامَةِ مَدّ اللهُ - جَلّ ثَنَاءُهُ - الأرضَ مدَّ الأدِيمِ فلا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِن بَنَي آدم فِيهَا إلاّ مَوضِعُ قَدَمِهِ... ثم قال تعالى: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا (وَتَخَلَّتْ)﴾. أي: (وألقت الأرض) ما فيها من الموتى علقَ ظهرها وتخلت منهم (إلى الله جل) ذكره. قال مجاهد: ﴿(وَأَلْقَتْ) مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾، أي: أخرجت ما فيها من الموتى". وقال قتادة: "أخرجت (أثقالها) وما فيها". * * * - ثم قال تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾. أي: وسمعت الأرض أمر ربها في إلقائها ما في بطنها من الموتى على ظهرها وحققها الله للاستماع. وقيل: معناه وحقّ لها أن تسمع أمره. واختلف في جواب ﴿إِذَا﴾ والعامل فيها. فقال الأخفش: التقدير: إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت. فيكون العامل في ﴿إِذَا﴾ على قوله فملاقيه. وقيل: التقدير: اذكر يا محمد إذا السماء انشقت. وقيل: الجواب: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ﴾، على إضمار الفاء: كما تقول: إذا كان كذا وكذا، فيا أيها الإنسان ترى ما عملت من خير وشر. وقيل: جواب ﴿إِذَا﴾ الأولى والثانية: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ﴾. وقيل: التقدير: إنك كادح إلى ربك كَدَحاً إذا السماء انشقت. وهذا لا يجوز لأن الكدح: العملُ، فمحال أن يعمل في وقتِ انشقاق السماء . وقيل: الجواب: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾، و [الواو] زائدة، أي: إذا السماء انشقت، (أذنت لربها. وقيل: الجواب محذوف. والتقدير: إذا السماء انشقت)، رأيت الثواب والعقاب. وقال المبرد: التقدير: إذا السماء انشقت، فأما من أوتي كتابه بيمينه. * * * - ثم قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾. أي: إنك عامل إلى ربك عملاً في دنياك، فأنت ملاقيه خيراً كان أو شراً، فليكن عملك ما ينجيك من عقابه ويوجب لك ثوابه. قال قتادة: "إن كدحك لك يا ابن آدم [لضعيف]، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوة إلا بالله". [قال] ابن عباس وابن زيد وغيرهما: كادح: عامل. والوقف في أول هذه السورة على مقدار ما تقدم من جواب ﴿إِذَا﴾ والعامل فيها، فلا تقف على ما قبل الجواب ولا ما قبل العامل. وقد ذكر الاختلاف في ذلك. - قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾. أي: من أعطي كتاب عمله [يومئذ] بيمينه ينظر في عمله فيغفر له [سيئه]، ويجازى على حسنه. قالت عائشة رضي الله عنها: سَمِعتُ النَّبيّ ﷺ يقول: "اللّهُمّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسيراً، فَقُلت: يَا رسولَ الله، مَا الحِسَابُ اليَسير؟ قال: (أن) يُنظَرُ فِي سيّئاتِهِ فَيُتجاوَزُ عَنْهُ، إنّهُ من نُوقِشَ الحِسَابَ يَومَئذٍ هَلَكَ وروى ابن (أبي) مليكة عن عائشة أيضاً أنها قالت: قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ: [إِنّهُ لَيْسَ أحدٌ يُحاسبُ يَومَ القِيامَةِ إلا معذّباً، قالت: يَا رسُول الله]، يقول الله جلّ وعزّ: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾. قال: ذَلِكَ العرض، إنّه من نُوقش الحِساب عذّب قال ابن زيد: الحسابُ اليسيرُ: الذي تغفر ذنوبه وتتقبل حسناته وتيْسيرُ الحساب الذي يُعفى عنه، وقرأ: ﴿وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ [الرعد: ٢١]، وقرأ: ﴿أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [الأحقاف: ١٦]. والمحاسبة بين العبد و (بين) ربه إنما هي إقرار العبد بما أحصاه كتاب عمله. وروى ابن وهب أن عائشة رضي الله عنها قالت: "يا نَبيّ (الله)، كَيْفَ ﴿حِسَاباً يَسِيراً﴾؟ قال: يُعطى العَبْدُ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقرأ سَيّئاتِهِ ويَقرأ النّاس حَسَناتِهِ، ثُمّ تُحوّل صَحيفَـتُهُ فيحوّل اللهُ سَيّئاته حَسَناتٍ، فيقرأ حَسَناتِه ويَقرأ النّاسُ سَيّئاتِه حَسناتٍ، فَيَقُولُ الناسُ: مَا كان لِهَذا العَبْدِ سيّئةٌ. قال: فَيُعرّفُ بِعَمَلِهِ ويُغْفَرُ لَهُ، فَذَلِك قولُه تَعالَى: ﴿يُبَدِّلُ ٱللَّهُ [سَيِّئَاتِهِمْ] حَسَنَاتٍ﴾ وقوله: ﴿وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾. أي: وينصرف بعد محاسبته حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعد الله له وما نجاه منه. وروي أن أول من يأخذ كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد [الأسد]، وهو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة، وهو أول من هاجر من مكة إلى المدينة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب