الباحث القرآني

قوله: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾، إلى قوله: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. ومعنى الآية: أن الله أمر المؤمنين أن يمنعوا المشركين من دخول المسجد الحرام. * * * وقوله: ﴿نَجَسٌ﴾. قال قتادة: "النَّجَسُ" هنا: الجُنُب. وأصل "النَّجَسِ": القذر. وإذا ذكرت قبل "النجس": "الرجس" كسرت "النون"، وأسكنت "الجيم"، فقلت: هو رِجْسٌ نِجْسٌ على الاتباع. وعنى بذلك: الحرم كله أن يمنعوا من دخوله، وعلى ذلك قال عطاء: الحَرَمُ كُلُّهُ قِبْلَةٌ وَمَسْجِدٌ. وَبِظَاهِرِ هذه الآية يجب على المشرك إذا أسلم أن يغتسل، وقد أمر بذلك النبي ﷺ. وهو مذهب مالك، وابن حنبل، ولم يوجبه الشافعي واستحبه، قال: إلاَّ أن يكون يعلم أنه جنُبٌ فعليه أن يغتسل. وقال الثوري، والشافعي: ثياب المشركين على الطهارة حتى تعلم النجاسة، واستحبا غسل الإزار والسراويل. وقال مالك: إذا صلى في ثوب كان المشرك يلبسه، أعاد من الصلاة ما كان في وقته. وأكثَرُهُمْ على أن لا بأس بالصلاة فيما نسجوا، وهو مذهب مالك. وهذه الآية نَاسِخَةٌ، لما كان النبي عليه السلام، قد صالح عليه المشركين أن لا يَمْنَع أحد من البيت. قال مالك: يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم، ودخول كل المساجد. وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقتادة. وقال الشافعي: يمنع المشركون جميعاً من دخول الحرم، ولا يمنعون من دخول سائر المساجد. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام، ولا من غيره، ولا يمنع من ذلك إلا المشركون أهل الأوثان. وقول الله عز وجل، في اليهود والنصارى: ﴿ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً [مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِّن دُونِ ٱللَّهِ]﴾ [التوبة: ٣١] الآية، يدلُّ على جوازهم تسميتهم مشركين، وقد نصّ الله على ذلك بقوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ في آخر الآية. * * * وقوله: ﴿بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾. هو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه، بالناس، ونادى عليّ بـ: "براءة" في الموسم، وذلك لتسع سنين مضين من الهجرة، وحجَّ النبي ﷺ حَجَّةَ الوَدَاعِ في العام المقبل سنة عشر من الهجرة. * * * وقوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾. [أي]: إن خفتم، أيها المؤمنون، فقراً، بمنعنا المشركين أن يأتوكم إلى الحرم بالتجارات، ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، فأغناهم الله بأخذ الجزية منهم بقوله: ﴿قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾، إلى قوله: ﴿حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ﴾. وقيل: أغناهم بإدْرَارِ المطر عليهم. قال ابن عباس: ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزن، عن منع المشركين من دخول الحرام، وقال لهم: من أين تأكلون، وقد انقطعت عنكم العير؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ الآية. * * * ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ﴾. أي: عليم بما حدثتكم به نفوسكم من خوف العيلة، بمنعنا المشركين أن يأتوا إليكم، وبغير ذلك من مصالحكم، ﴿حَكِيمٌ﴾، في تدبيره. و "العَيْلَةُ" مصدر "عَالَ يَعِيلُ": إذا افتقر. وحُكِي: "عال يعول" [في] الفاقة. وبمصحف عبد الله: "عائلة"، أي: خصلة شاقة، يقال: عالني الأمر، أي: شقَّ عليَّ واشتد. ثم قال: تعالى آمراً للمؤمنين: ﴿قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾، الآية، أي: قاتلوهم حتى يعطوكم الجزية، من أهل الكتاب كانوا أو من غيرهم. و "الجِزْية" كـ: "القِعْدة" و "الجِلسة"، وجمعها: جِزَى، كـ: "لِحَىً"، فهو من "جَزَى فلان فلاناً ما عليه": إذا قضاه. وهي الخراجُ عن الرقاب. ومعنى: ﴿عَن يَدٍ﴾، أي: عن يده إلى يد من يدفعه إليه. وقيل: ﴿عَن يَدٍ﴾: عن إنعامٍ منكم عليهم إذا رضيتم بالجزية وأمَّنْتُمُوهُمْ في نفوسهم وأموالهم وَذَرَارِيهمْ. وقيل: ﴿عَن يَدٍ﴾: نقداً لا نسيئة. وقيل: يؤدونها بأيديهم لا يوجهون بها كما يفعل الجبار. وأهل اللغة يقولون: عن قهر وقوة. * * * ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. أي: أذلاء مقهورون. فهذه الآية نزلت في حرب الروم، فغزا رسول الله ﷺ، بعد نزولها غزوة تبوك. قاله مجاهد. قال عكرمة: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾: هم قائمون [وأنت جالس]. وقال ابن عباس: يمشون بها مُلَبَّبين. وهذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين. قاله ابن عباس. هي ناسخة لقوله: ﴿فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]. وأجمع علماء الأمصار على أخذ الجزية من المجوس. وكان ملك يرى: أخذ الجزية من سائر أهل الشرك، وحكمهم عنده حكم المجوس، تؤخذ منهم الجزية، ولا ينكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم. وتوضع الجزية عمن أسلم عند مالك ولم يبق من السنة إلا يوم واحد. وتؤخذ الجزية من أهل الوَرقِ: أربعون درهماً، ومن أهل الذهب: أربعة دنانير، وهي فرض عمر رضي الله عنه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب