الباحث القرآني

قوله: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ﴾، إلى قوله: ﴿بِٱلْمُتَّقِينَ﴾. "النون" من: ﴿عَنكَ﴾، وحيث ما سكنت مع "الكاف" وأخواتها خرجت بغُنّة من الخياشيم. والمعنى: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ﴾، يا محمد، ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم. وقيل المعنى: إنه افتتاح كلام بمنزلة: "أصلحك الله" و "أعزك الله". وقال الطبري: هذا عِتابٌ من الله، عز وجل لنبيه عليه السلام، في إذنه لمن أذن له من المنافقين في التخلف عنه في غزوة تبوك، حتى يعلم الصادق منهم من الكاذب في قولهم: ﴿لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾، فيعلم من له عذر ومن لا عذر له، فيتبين لك الصادق من الكاذب، ويكون إذنك على علم بهم. ثم أرخص الله، عز وجل، له الإذن في سورة "النور" فقال: ﴿فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ [النور: ٦٢]. قال بعضُ المفسرين: اثنين فعل رسول الله عليه السلام، لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، وأخذه من الأسارى الفداء. ومن قال هو افتتاح كلام، وقف على: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ﴾. ومن قال هو عتاب، لم يقف عليه. وقال محمد بن عرفة نفطويه: ذهب ناس إلى [أنّ] النبي ﷺ مُعاتبٌ بهذه الآية، وحاشاه من ذلك، بل كان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي، كما قال: "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لجَعَلْتُهَا عُمْرةً"؛ لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل، وقد قال له الله: ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ﴾ [الأحزاب: ٥١]، لأنه كان له أن يفعل ما شاء، فلما كان له أن يفعل ما شاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المتخلفون في التخلف واعتذروا، اختار أيسر الأمرين تكرماً وتفضلاً منه، ﷺ، فأبان الله، عز وجل أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا، للنفاق الذي في قلوبهم، وإنهم كاذبون في إظهار الطاعة له والمشاورة. فـ: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ﴾، عنده افتتاح كلام، أعلمه الله عز وجل، به أنه لا حرج عليه فيما فعل من الإذن، وليس هو عفواً عن ذنب، إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه بترك. الإذن لهم، كما قال عليه السلام: "عَفَا اللهُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ والرَّقِيقِ وَمَا وَجَبَتَا قَطُّ". ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك. * * * قوله: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ الآية. أجاز سيبويه في: ﴿أَن يُجَاهِدُواْ﴾، أن تكون ﴿أَن﴾: في موضع جر على حذف الجار، قال: لأنَّ حذف حرف الجر جائزٌ مع ظهور "أن"، ألا ترى أنك لو جعلت مع "أنْ" والفعل: المصدر، لم يجز حذف الجر، لا يجوز: "لا يستأذنك القوم الجهاد"، حتى تقول: "في الجهاد" ويجوز ذلك مع "أن". ومعنى ذلك أن الله عز وجل، أعلم نبيه عليه السلام، بسيما المنافقين وأن من علاماتهم الاستئذان في التخلف لئلا يجاهدوا في سبيل الله، ومن علامات المؤمنين أنهم لا يستأذنون في ذلك. وقيل المعنى: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ﴾ في القعود عن الجهاد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب