ثم قال جل وعز: ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾.
قرأ عبدُاللهِ بنُ مسعود وابنُ الزبير: ﴿حَامِية﴾.
وقرأ ابن عباس: ﴿حَمِئَةٍ﴾.
قال أبو جعفر: حدثنا إبراهيمُ بنُ محمد بنِ عرفَةَ، قال: حدثنا محمد بنُ عبدِالملِكِ، قال: حدثنا يزيدُ بن هارونَ، قال: حدثنا عمروُ بنُ ميمون، قال: سمعتُ أبا حاضرٍ يقول: سمعتُ ابن عباس يقول: كنتُ عند معاوية، فقرأ ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ﴾ فقلت: ما نقرؤها إلاَّ "حَمِئَةً" فقال لعبداللهِ بنِ عَمْروٍ: كيف تقرؤُها يا عبدَاللهِ بن عمرْوٍ؟ قالَ: كما قرأتَها يا أمير المؤمنين، فقلتُ: في بيتي يا أميرَ المؤمنين أُنزِلَ القرآنُ.
فأَرْسَلَ معاويةُ إلى كعبٍ، فقال: أينَ تجدُ الشمسَ تغربُ في التوارة؟ فقال: أمَّّا في العربية فأنتم أعلمُ بها، وأمَّا أنا فأجدُ الشمسَ في التوارةِ، تغربُ في ماءٍ وطين، وأشار بيده إلى المغرب، فقلتُ لابن عباس: لو كنتُ عندك فرفدتك بكلمةٍ تزداد بها بصيرةً في "حمئةٍ". قال ابن عباس: ما هي؟ قلتُ: فيما نأثرُ من قول تُبَّع فيما ذكَرَ به ذا القرنين من قوله:
بَلَغَ المَشَارِقَ وَالْمَغَـارِبَ يَبْتَغِي * أَسْبَابَ أَمْرٍ من حَكيمٍ مُرشِدِ
فَرَأىَ مَغِيبَ الشَّمْسِ عندَ غُروبِهَا * في عَيْن ذِيِ خُلْبٍ، وثأَطٍ حَرْمَدِ
فقال ابن عباس ما الخُلُبُ؟ فقال: الطينُ بكلامهم. قال: وما الثَّأْطُ؟ قلتُ: الحماةُ، قال: وما الحرمَدُ؟ قلتُ: الأسودُ.
قال أبو جعفر: فهذا تفسير الحَمْأَةِ، يُقال: حمئتِ البئر، إذا صارت فيها الحَمْأَةُ، وأَحْمأتُها: ألقيتُ فيها الحَمْأةَ. وحمَّأْتُها: أخرجتُ منها الحَمْأَةَ.
فأما قراءة من قرأ ﴿حامية﴾ فيحتملُ معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى "حَمِئَةِ" فكأنه قال "حامئةٍ" أي ذاتُ حمأةٍ، ثم خُفِّفت الهمزة.
والمعنى الآخر: أن يكون بمعنى حارة.
ويجوز أن تكون حارةً، وهي ذاتُ حَمَأٍ، والله أعلم بحقيقته.
قال القتبيُّ: يجوز أن تَكَون هذه العينُ من البحر، ويجوز أن تكون الشمسُ تغيب وراءها، أو معها، أو عندها، فيقام حرفُ الصِّفةِ مقام صاحبه، والله أعلم بذلك.
* وقوله جل وعز ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾.
قال إبراهيم بن السَّرِيِّ: خيَّره بين هذين، كما خيَّر محمداً ﷺ فقال: ﴿فَإِنْ جَاءُوْكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾.
وقال عليُّ بنُ سليمان: المعنى: قلنا يا محمد: قالوا يا ذا القرنين.
{"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِی عَیۡنٍ حَمِئَةࣲ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمࣰاۖ قُلۡنَا یَـٰذَا ٱلۡقَرۡنَیۡنِ إِمَّاۤ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّاۤ أَن تَتَّخِذَ فِیهِمۡ حُسۡنࣰا"}