قال جلَّ وعزَّ: ﴿وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ﴾.
قال مجاهد: ارتدادُ المؤمنِ أشدُّ عليه من أن يُقتل.
والفتنةُ في الأصلِ: الاختبارُ، فتأويلُ الكلام: الاختبارُ الخبيثُ الذي يؤدي إلى الكفر، أشدُّ من القتل، وفتَنَتْهُ فُلاَنةٌ: أي صارتْ له كالمختَبِرةِ، أي اخْتُبِر بجمالِها، وَفَتَنْتُ الذَّهبَ في النَّار: أي اختبرتُه لأعلمَ خالصٌ هو، أم مشوب؟.
وقيل لهذا السبب لكلِّ ما أحميتَه في النَّارِ: فتنتُه، لأنه بذلك كالمختبر.
وقيل في قوله عز وجل: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ هو من هذا أي يُشْوَوْن.
قال أبو العباس: والقول عندي - واللهُ أعلم - إنما هو يُحرقون بفتنتهم، أي يُعذَّبون بكفرهم، من فتُِنَ الكافرُ.
وقيل: يُخْتَبرون، فيقال: ﴿ما سَلَكَكُمْ في سَقَر﴾؟ وأفْتَنُه العذابُ أي جزاه بفتنته، كقولك كَرَبَ، وَأكْرَبتُهُ، والعلمُ للَّهِ تعالى.
يقال: فَتَنَ الرجلُ، وَفُِتنَ، وأَفْتَنْته، أي جعلتُ فيه فتنةً كقولك: دَهَشْتُه، وكَحَلْتُه، هذا قول الخليل، وأفتنتُهُ: جعلتهُ فاتناً، وهذا خَضِرٌ فَتِنٌ.
وقال الأخفش في قوله عز وجل: ﴿بِأيِّكُم المَفْتُون﴾ قال: يعني الفتنة، كقولك "خُذْ مَيْسُوره، وَدَعْ مَعْسُورَه".
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول، ويقول: المعتمدُ خُذْ ما يُسِّرَ لكَ مِنهُ.
وقوله عزَّ وجل: ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾.
قال قتادة: ثم نسخ ذلك بعد فقال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾.
قال ابن عباس: أي شرك، قال: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ﴾ وَيَخْلُص التوحيدُ للهِ.
ثم قال: ﴿فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ﴾.
قال قتادة: والظَّالمُ الذي أبَى أن يقول "لا إله إلا الله".
{"ayah":"وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِیهِۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}