ثم قال جل وعزَّ: ﴿وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ، إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ، أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
ويُروى عن الحسنِ، والجُحْدرِي، وأبي جعفر
﴿بِنَصَبٍ﴾ بفتح النون والصَّاد، وهما عند أكثر أهل اللغة بمعنى
واحد، كما يُقال: حُزْنٌ، وَحَزَنٍ، إلاَّ أن القتبيَّ حكى أنَّ أبا عُبيدة
قال: النُّصْبُ: الشَرُّ، والنَّصَبُ: الإِعياء.
قال أبو جعفر: يُقال: أَنْصَبه، يُنْصِبهُ: إذا عذَّبه
وآذاه، ومنه:
* "كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ" *
قال أبو جعفر: وأحسنُ ما قيل في معنى ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ
الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ ما رواه يوسفُ بنُ مهران عن ابن عباس
قال:
"لمَّا أصابَ أيُّوبَ ﷺ البلاءُ، أخذ إبليسُ تابوتاً، وقعد على
الطريق يداوي النَّاسَ، فجاءته امرأة أيوب، فقالت: أتُداوي رجلاً، به عِلَّةُ كَذَا، وكَذَا؟ فقال: نعم بشرطٍ واحد، على أنِّي إذا شَفَيْتُه
قال لي: أنتَ شفيتَنِي، لا أريدُ منه أجراً غيرَ هذا.
فجاءت امرأةُ أيُّوبَ إلى أيُّوبَ فأخبرتْهُ، فقال لها: ذاكِ
الشيطانُ، واللهِ لئن بَرْأَتُ لأضربنَّكِ مائةً، فلما بَرَأ، أخذ شِمْرَاخاً
فيه مائة، فضَرَبَها به ضَرْبةً".
قال أبو جعفر: فمعنى النُّصْبِ على هذا، هو ما ألقاه إليه، أي يكون شيئاً وسوس به.
فأمَّا قولُ من قال: إنَّ "النُّصْبَ" ما أصابَه في بَدَنه، و "العَذَابُ" ما أصابَهُ في مالِهِ، فبعيدٌ.
قال مجاهدٌ عن ابن عباس: ضَرَبَها بالأَسَلِ.
قال قتادةُ: أخذ عُودَاً، فيه تسعةٌ وتسعون عوداً، وهو تمامُ
المائة، فَضَرَبها به.
قال مجاهدٌ: هذا له خاصٌّ.
وقال عطاءٌ: هذا لجميعِ النَّاسِ.
قال أبو جعفر: البيِّنُ من هذا أنه خاصٌّ، لأنه قال
﴿وَلاَ تَحْنَثْ﴾ فأسقطَ عنه الحِنْثَ، وقال اللهُ جلَّ وعزَّ
﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ ومن جُلِدَ بشمراخٍ فيه مائةٌ، فإنما
جُلدَ جَلدةً واحدةً.
{"ayah":"وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ"}