وقولُه عز وجل: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ﴾.
أي يَفْرِضُ علَيكم، كما قال: ﴿وَلاْ تَقْتُلُوْا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾.
* ثم قال تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ﴾.
خلافاً على أهل الجاهلية، لأنهم كانوا لا يُوَرِّثُون الإِناث.
وقولُه عز وجل: ﴿ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾.
ولم يُسَمِّ للاثنتين شيئاً، ففي هذا أقوال:
أ - منها أنه قيل: إن فوقاً ههنا زائدةٌ، وأن المعنى: فإنْ كُنَّ نساءً اثنتين، كما قال: ﴿فَاضْرِبُوْا فَوْقَ اْلأعْنَاقِ﴾
ب - وقيل: أُعطِيَ الاثنتان الثلثين، بدليلٍ لا بنصٍ.
لأن الله عَزَّ وجَلَّ جعل هذه الأشياء يدلُّ بعضُها على بعض، ليتفقَّه لها المسلمون.
والدليلُ: أنه جعل فَرْضَ الأخوات والأخوة للأم، إذا كُنَّ اثنتين أو أكثر واحداً، فقال عز وجل: ﴿وَإِنْ كَاْنَ رَجُلٌ يُوْرَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيْ الثُلُثِ﴾.
جـ - ودليلٌ آخر: أنه جعل فَرْضَ الأُختِ كفرضِ البنت، فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الأختين.
قال اللهُ عزَّ وجل: ﴿يَسْتَفْتُوْنَكَ، قُل اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ، إِنِ امْرُوٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾.
وقال أبو العباس "محمَّدُ بنُ يَزِيدَ": في الآية نَفْسِها دليلٌ على أن للبنتين الثلثين، لأنه قال: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ﴾ وأقل العددِ ذَكَرٌ وأُنْثَى، فإذا كان للواحدة الثُّلُثُ، دَلَّ ذلك على أن لِلاْثْنَتَيْنِ الثلين، فهذه أقاويل اهل اللغة.
وقد قيل: ليس للبنات إلاَّ النِّصْفُ، والثلثان، فلما وَجَبَ أن لا يكون للابنتين، وَجَبَ أن يكون لهما الثلثان.
على أن ابن عباس قال: لهما النصف.
وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنه أعطى البنتين الثلثين.
ورَوَى جابرُ بنُ عبدِاللهِ أن أمرأة "سَعد بن الربيع" أَتَتْ النبيَّ ﷺ، فقالت يا رسول الله: إنَّ زوجي قُتِلَ معك، وإنما يُتَزَوَّجُ النِّساءُ للمالِ، وقد خَلَّفَنِي وخَلَّفَ ابنتين وأخاً، وأخذ الأخُ المال، فَدَعَاهُ رسول الله ﷺ فقال: "ادْفَعْ اليها الثُّمُنَ، وإلى البنتين الثلثين، ولك ما بقي".
وقوله عز وجل: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ﴾.
أجمعتِ الفقهاءُ أن الإِخوة اثنان فصاعداً، إلا ابنَ عباس فإنه قال: لا يكون الإِخوةُ أقلَّ من ثلاثة.
والدليلُ على أن الاثنين يقال لهما إخوةٌ: قولُهُ: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً﴾ فلا اختلاف بين أهل العلم أنَّ هذا يكون للاثنين فصاعداً، والاثنان جماعةٌ لأنه واحدٌ جَمَعْتَهُ إلى آخر.
وقال: ﴿وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ يعني طرفيه، والله أعلم.
وصلاة الاثنين جماعة.
وقوله عز وجل: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾.
رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إنكم تقرؤون ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾ وإن رسول الله ﷺ قضى بالدَّيْنِ قبل الوصية.
قال أبو جعفر: كأنَّ هذا على التقديم والتأخير، وليست "أوْ" ههنا بمعنى الواو، وإنما هي للإِباحة.
والفرقُ بينهما وبين الواو أنه لو قال: "مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوْصِي بِهَا وَدَيْنٍ" جاز أن يَتَوهَّمَ السامعُ بأنَّ هذا إذا اجتمعا، فلما جاء بِأَوْ جاز أن يجتمعا، وأن يكون واحدٌ منهما.
وقوله عز وجل: ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾.
قال ابن عباس: في الدنيا.
وقال غيره: إذا كان الابنُ أرفعَ درجةً من الأب سأل الله أن يلحقه به، وكذلك الأبُ إذا كان أرفع درجةً منه.
* ثم قال تعالى: ﴿فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.
أي عليمٌ بما فرض، حكيم به.
ومعنى ﴿كَاْنَ﴾ ههنا فيه أقوال:
أحدهما: أنَّ معناه: لم يزل، كأنَّ القومَ عاينوا حكمةً وعلماً، فأعلمهم اللهُ عزَّ وجل، أنه لم يزل كذلك.
وقيل: الإِخبارُ من اللهِ في الماضي، والمستقبلِ، واحدٌ لأنه عنده معلومٌ.
{"ayah":"یُوصِیكُمُ ٱللَّهُ فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَاۤءࣰ فَوۡقَ ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَ ٰحِدَةࣰ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَیۡهِ لِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدࣱۚ فَإِن لَّمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلَدࣱ وَوَرِثَهُۥۤ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥۤ إِخۡوَةࣱ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِی بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍۗ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَیُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعࣰاۚ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}