وقولُه جل وعز: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ﴾.
وتُقْرَأُ: ﴿فَتَثَبَّتُوْا﴾.
قال أبو عبيد: وإحداهما قريبةٌ من الأخرى.
وقال غيره: قد يُتَثَبَّتُ ولا يُتَبَيَّنُ، فالاختيارُ "فَتَبَيَّنُوا".
ومعنى ﴿ضَرَبْتُمْ﴾ سَافَرْتُمْ.
* ثم قال جل وعز: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾.
وقرأ ابن عباس: ﴿لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ﴾.
فَمَنْ قَرَأَ: ﴿السَّلَمَ﴾ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ الانقيادُ والاسْتِسْلامُ.
ومن قرأ: ﴿السَّلاَمَ﴾ فَتَحْتَمِلُ قِرَاءَتُهُ مَعْنَيَيْنِ:
أحدهما: أن يكون بمعنى السِّلْم.
والآخر: أن يكون من التسليم.
وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس "أن قوماً من أصحاب رسول الله ﷺ، مَرُّوا براعٍ، فقال: السلام عليكم، فقالوا: إنما تَعَوَّذَ، فقتلوه، وَأَتَوْا بغَنَمِه إلى النبي ﷺ، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا﴾".
قال ابن عباس: يعني الْغَنِيمَةَ.
وروي عن أبي جعفر أنه قرأ: ﴿مُؤْمَناً﴾ بِفَتْحِ الميم الثانية، من أَمَنتُهُ إذا أَجَرْتَهُ، فهو مُؤْمَنٌ.
* وقوله جل وعز: ﴿كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾.
قال سعيد بن جبير: أي ﴿كَذٰلِكَ كُنْتُمْ﴾ تُخْفون إيمانكم ﴿فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي فُمَنَّ الله عليكم بالغَزْوِ، وَإظْهَارِ الدِّينِ.
واختار أبو عبيد "القاسِمُ بن سَلاَّم" ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ﴾.
وخالفه أهل النَّظَرِ فقالوا: (السَّلَمُ) ههنا أَشْبَهُ، لأنه بمعنى الانقيادِ والتَّسَلُّمِ، كما قال جل وعز: ﴿فألقوا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوْءٍ﴾.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}