وقولُه جل وعز: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾.
أي الزموا أنفسكم، فأصلحوها وخلَّصوها من العقاب.
* ثم قال جل وعز: ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾.
ليس في هذا دليلٌ على الرخصة، في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله عز وجل قد أمر بذلك، وإنما المعنى: لا تؤاخذون بكفرِ مَنْ كَفَر، وقد بُيِّنَ هذا في الحديث.
قال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول: إنكم تَأوَّلُون ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الناس إذا عُمِل فيهم بالمعاصي، ثم لم يُغيِّروا أوشك اللهُ جلَّ وعز أن يَعُمَّهم بعقابهِ".
وقال ابن مسعود في هذه الآية: "قولوها ما قُبِلَت منكم، فإذا رُدَّتْ عليكم، فعليكم أنفسكم"
وقال سعيد بن جبير: هي في أهل الكتاب.
وقال مجاهد: هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم.
يذهبان إلى أن المعنى: لا يضُرّكم كفرُ أهلِ الكتاب إذا أدَّوْا الجزية.
وهذا تفسير حديث أبي بكر.
فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين: ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها، كما قال أبو أمية الشعباني: قلت لأبي ثعلبة الخُشَنِّي: كيف أصنع بهذه الآية: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾؟
فقال: سألتُ عنها رسول الله ﷺ فقال "ائتمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتَ شُحَّاً مطاعاً، وهوىً متَّبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه [ورأيت الأمرَ لا يَدَيْ لكَ به، أو لا يدَلكَ به] فعليك بنفسك، ودَعْ العوام".
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَیۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا یَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَیۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}