وقولُه جل وعز: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ﴾.
وفي هذا قولان:
روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود في أمة محمد ﷺ: هم أقلُّ الناسِ حظاً في الدنيا والآخرة، فأنزل الله جل وعز: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ﴾ الآية.
والقول الآخرُ: وهو المعروفُ الصحيح، أن المعنى: قل هل أنبئكم بشرٍّ من نُقومكم علينا ثواباً؟ لأن قبله ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾.
قال الكسائي: يقال نَقَمْتُ على الرجل أَنْقِمُ، نُقُومَاً، ونِقْمَةً.
وقد حُكي نَقِمْتُ أَنْقَمُ: إذا كرهتَ الشيءَ أشدَّ الكراهية.
* ثم قال جل وعز: ﴿مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ﴾.
قال مجاهد: يعني اليهودَ، مَسْخٌ منهم.
* ثم قال جل وعز: ﴿وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ﴾ وهذه قراءة أهل المدينة، وأبي عمروٍ والكسائي.
وقرأ أبو جعفر (وَعُبِدَ) مثل ضُرِبَ، ولا وجهَ لهذا.
ورُوي عن عبدالله بن مسعود أنه قرأ: ﴿وَعَبَدوُا الطَّاغُوتَ﴾.
ورُوي عن أبيّ بن كعب وعن أبي مسعود من طريق آخر أنهما قَرَءَا ﴿وَعَبَدَتِ الطَّاغُوتَ﴾.
وقرأ ابن عباس: ﴿وَعُبَّدُ الطَّاعوتِ﴾.
ورُويَ عن [عكرمةَ عن ابن عباس أنه يجوز "وعَابِد الطاغوت" ورُوي عن] الأعمش ويحيى بن وثَّاب ﴿وَعُبُدُ الطَّاغُوتِ﴾.
وقرأ أبو واقد الأعرابي: ﴿وعُبَّادُ الطَّاغُوتِ﴾.
وقرأ حمزة: ﴿وَعَبُدَ الطَّاغُوتِ﴾.
فمن قرأ: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ فالمعنى عنده: منْ لَعَنهُ الله، ومَنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ.
وحمل الفعلَ على لفظ "مَنْ".
ومن قرأ: ﴿وَعَبَدوُا الطَّاغُوت﴾ فهو عنده بذلك المعنى، إلاَّ أنه حمله على معنى "مَنْ" كما قال جلَّ وعز: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾.
ومن قرأ: ﴿وَعَبَدَتِ الطَّاغُوتَ﴾ حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: ﴿قَالَتِ الأَعْرابُ﴾.
ومن قرأ: ﴿وعُبَّدَ الطَّاغُوت﴾ فهو عنده جمع عابد كما يقال: شاهد وشُهَّد، وغائب وغُيَّب.
ومن قرأ: ﴿وَعَابِد﴾ فهو عنده واحد يؤدِّي عن جماعة
ومن قرأ: (وُعُبُد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال مثال ومثُلُ، ورغيف ورُغفُ.
وقال بعض النحويين: هو جمع عَبْدٍ كما يقال رَهْن ورُهُن وسَقْف وسُقُف.
ومن قرأ (وَعُبَّاد) فهو جمع عابد كما يقال عامل وعمال.
ومن قرأ: (وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ) فأكثرُ أهل اللغة يذهب إلى أنه لحنٌ، وهي تجوز على حيلة، وذلك أن يجعل "عَبُداً" واحداً يدل على جماعة، كما يُقال: رَجُلٌ حَذُرٌ، وفَطُنٌ، ونَدُس، فيكون المعنى: وخادمِ الطاغوتِ، وعلى هذا تُتأول هذه القراءة.
يُقال: عَبَدَهُ، يَعبُدُه، إذَ ذلَّ له أشَدَّ الذلَّ، ومنه بعير معبَّد أي مذلَّل بالقطران، ومنه طريق معبَّد، ومنه يُقال: عَبِدْتُ أَعْبَدُ: إذا أنفتُ، كما قال:
* "وَأَعْبَدُ أَنْ تُهْجَى تمِيمٌ بِدَارِمِ" *
والمعنى: على هذا: وخادمِ الطاغوتِ.
وقد قيل: الفَرْدِ بمعنى الفَرْدِ، وينشد النابغة:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُوشِيٍّ أكَارِعُهُ * طَاوِي المَصِيرِ، كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرِدِ
ويُروى الفَرَدِ.
وقيل: الطاغوت ها هنا: يُعْني به الشيطانُ، وكذا روي عن بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِي أنه قرأ ﴿وَعَابِدِ الشَّيْطَانِ﴾.
وأجاز: بعض العلماء ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ﴾ بالخفض على معنى: عَبَدَةٍ مثل: كَاتِبٍ، وكَتَبَةٍ، والهاءُ تُحذفُ من مثل هذا في الإِضافة.
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَیۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِیرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}