الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَوَلِّيَ قَوْمِهِ عَنْهُ، وشَقَّ عَلَيْهِ ما رَأى مِن مُباعَدَتِهِمْ عَمّا جاءَهم بِهِ؛ تَمَنّى في نَفْسِهِ أنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى ما يُقارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمِهِ، وذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلى إيمانِهِمْ. فَجَلَسَ ذاتَ يَوْمٍ في نادٍ مِن أنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٍ أهْلُهُ، وأحَبَّ يَوْمَئِذٍ ألّا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى شَيْءٌ يَنْفِرُوا عَنْهُ، وتَمَنّى ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى سُورَةَ ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾، فَقَرَأها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى بَلَغَ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى (١٩) ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى (٢٠)) . ألْقى الشَّيْطانُ عَلى لِسانِهِ لَمّا كانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ ويَتَمَنّاهُ: ”تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وإنَّ شَفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجى“ . فَلَمّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا، ومَضى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قِراءَتِهِ، فَقَرَأ السُّورَةَ كُلَّها، وسَجَدَ في آخِرِ السُّورَةِ، فَسَجَدَ المُسْلِمُونَ بِسُجُودِهِ، وسَجَدَ جَمِيعُ مَن في المَسْجِدِ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْقَ في المَسْجِدِ مُؤْمِنٌ ولا كافِرٌ إلّا سَجَدَ، إلّا الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ وأبُو أُحَيْحَةَ سَعِيدُ بْنُ العاصِ، فَإنَّهُما أخَذا حَفْنَةً مِنَ البَطْحاءِ ورَفَعاها إلى جَبْهَتَيْهِما وسَجَدا عَلَيْها؛ لِأنَّهُما كانا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَمْ يَسْتَطِيعا السُّجُودَ، وتَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ وقَدْ سَرَّهم ما سَمِعُوا، وقالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنا بِأحْسَنِ الذِّكْرِ. وقالُوا: قَدْ عَرَفْنا أنَّ اللَّهَ يُحْيِي ويُمِيتُ، ويَخْلُقُ ويَرْزُقُ، ولَكِنَّ آلِهَتَنا هَذِهِ تَشْفَعُ لَنا عِنْدَهُ، فَإذْ جَعَلَ لَها مُحَمَّدٌ نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَهُ. فَلَمّا أمْسى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: ما صَنَعْتَ ؟ تَلَوْتَ عَلى النّاسِ ما لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقُلْتَ ما لَمْ أقُلْ لَكَ ؟ فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُزْنًا شَدِيدًا، وخافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلى ما ذَكَرَ مِن مَنزِلَةِ آلِهَتِنا عِنْدَ اللَّهِ. فازْدادُوا شَرًّا إلى ما كانُوا عَلَيْهِ. أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ الحارِثِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَيّانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَهْلٌ العَسْكَرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى، عَنْ عُثْمانَ بْنِ الأسْوَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى (١٩) ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى (٢٠)﴾ . فَألْقى الشَّيْطانُ عَلى لِسانِهِ: ”تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وشَفاعَتُهُنَّ تُرْتَجى“ . فَفَرِحَ المُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، وقالُوا: قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنا. فَجاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ”اعْرِضْ عَلَيَّ“ . فَلَمّا عَرَضَ عَلَيْهِ قالَ: أمّا هَذا فَلَمْ آتِكَ بِهِ، هَذا مِنَ الشَّيْطانِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ( وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ولا نَبِيٍّ إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب