الباحث القرآني

{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 25]. فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ نُزُولِهَا عَلَى مَعْنَاهَا: رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، فَقَالَ: مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ الْآيَةَ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ». وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، مَثَلُهَا كَمِثْلِ الْمُسْلِمِ، خَبِّرُونِي مَا هِيَ» الْحَدِيثَ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هِيَ النَّخْلَةُ»، فَذَكَرَ خِصَالًا فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. [مَسْأَلَة الحين وَفِيهِ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ الْحِينِ: وَفِيهِ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ سَاعَةٌ أَقَلُّ الزَّمَانِ. الثَّانِي: أَنَّهُ غُدْوَةٌ وَعَشِيَّةٌ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ شَهْرَانِ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. السَّادِسُ: أَنَّهُ سَنَةٌ؛ قَالَهُ عَلِيٌّ. السَّابِعُ: أَنَّهُ سَبْعَةُ أَعْوَامٍ. الثَّامِنُ: أَنَّهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. التَّاسِعُ: أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. الْعَاشِرُ: أَنَّهُ مَجْهُولٌ. [مَسْأَلَة تَحْقِيقِ مَعْنَى الحين] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَحْقِيقِ مَعْنَاهُ: اعْلَمُوا أَفَادَكُمْ اللَّهُ الْعِرْفَانَ أَنَّا قَدْ أَحْكَمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ مَلْجَئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ؛ وَنَحْنُ الْآنَ نُشِيرُ إلَى مَا يُغْنِي فِي ذَلِكَ الْغَرَضِ، وَيُشْرِفُ بِكُمْ عَلَى مَقْصُودِ الْفَتْوَى الْمُفْتَرَضِ، فَنَقُولُ: إنَّ الْحِينَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَهُوَ مُبْهَمٌ لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، وَلَا تَعْيِينَ فِي الْمُفَسِّرِ لَهُ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ لُغَةً، مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا يُفَسِّرُهُ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ سَاعَةً لَحْظِيَّةً، وَيَحْتَمِلُ يَوْمَ السَّاعَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ حَالَ الْعَدَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]. وَلِأَجْلِ إبْهَامِهِ عُلِّقَ الْوَعِيدُ بِهِ، لِيَغْلِبَ الْخَوْفُ، لِاسْتِغْرَاقِ مُدَّةِ الْعَذَابِ نِهَايَةَ الْأَبَدِ فِيهِ، فَيَكُفَّ عَنْ الذَّنْبِ، أَوْ يَرْجُوَ لِاقْتِضَاءِ الْوَعِيدِ أَقَلَّ مُدَّةِ احْتِمَالِهِ؛ فَيَغْلِبَ الرَّجَاءُ، وَلَا يَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ الْمَغْفِرَةِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ الذَّنْبِ، ثُمَّ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحِينَ غُدْوَةٌ وَعَشِيَّةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ نَزَعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ ثَمُودَ: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات: 43]. وَتَعَلَّقَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِبَقَاءِ الثَّمَرِ فِي النَّخْلِ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِأَنَّهُ مُدَّةُ الثَّمَرِ مِنْ حِينِ الِابْتِدَاءِ إلَى حِينِ الْجَنْيِ. وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى حِينٍ} [الذاريات: 43]. وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِأَخْبَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَرَدَتْ فِي مُدَّةِ بَقَاءِ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ بِاخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَمِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ، وَقَوِيٌّ وَضَعِيفٌ؛ وَأَظْهَرُهَا اللَّحْظَةُ؛ لِأَنَّهُ اللُّغَةُ وَالْمَجْهُولُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ عَلَى التَّعْيِينِ، وَالشَّهْرَانِ وَالسِّتَّةُ أَشْهُرٍ وَالسَّنَةُ [لِأَنَّهَا] كُلُّهَا تَخْرُجُ مِنْ ذِكْرِ الْحِينِ فِي ذِكْرِ النَّخْلَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ حِينًا فَلْيَصُمْ سَنَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]. وَرَوَى أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: الْحِينُ الَّذِي يُعْرَفُ مِنْ الثَّمَرَةِ إلَى الثَّمَرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]. وَمِنْ الْحِينِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَوْلُهُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: الْحِينُ الَّذِي يُعْرَفُ قَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] فَهَذَا سَنَةٌ، وَالْحِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَوْلُهُ: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]، فَهَذَا حِينٌ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّ الْحِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ الثَّمَرَةُ إلَى أَنْ تُرْطِبَ، وَمِنْ حِينِ تُرْطِبُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ. وَالْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]. وَمِنْ الْحِينِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88]. قَالَ الْقَاضِي: الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ فِي الصَّحِيحِ سَنَةٌ، وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَتَبَايَنَ الْعُلَمَاءُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ كُلِّ بَابٍ عَلَى حَالِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِينَ الْمَجْهُولَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَالْحِينُ الْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَيَرْتَبِطُ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَأَكْثَرُ الْمَعْلُومِ سَنَةٌ. وَمَالِكٌ يَرَى فِي الْأَيْمَانِ وَالْأَحْكَامِ أَعَمَّ الْأَسْمَاءِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَأَكْثَرَهَا اسْتِظْهَارًا. وَالشَّافِعِيُّ يَرَى الْأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَسَّطَ، فَقَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ عِنْدَهُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ؛ وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الْمَعْنَى بَعْدَ مَعْرِفَةِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً، وَهُوَ أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْثِلَةِ؛ وَنَحْنُ نَضْرِبُ فِي ذَلِكَ الْأَمْثِلَةَ مَا نُبَيِّنُ بِهِ الْمَقْصُودَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَمْثِلَةٍ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ: فَنَقُولُ: إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ حِينًا فَيَحْتَمِلُ رَكْعَةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّافِلَةِ، وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ النَّافِلَةِ فَيَتَقَدَّرُ الزَّمَانُ بِقَدْرِ الْفِعْلِ. الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ حِينًا فَيَحْتَمِلُ يَوْمًا لَا أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِعْيَارُ الصَّوْمِ [الشَّرْعِيِّ]؛ إذْ هِيَ عِبَادَةٌ تَتَقَدَّرُ بِالزَّمَانِ، لَا بِالْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ فَلَا يَحُدُّهُ إلَّا الْوَقْتُ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ يَحُدُّ نَفْسَهُ. وَيَحْتَمِلُ الدَّهْرَ، وَيَحْتَمِلُ سَنَةً، فَرَأَى الشَّافِعِيُّ يَوْمًا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ، وَأَلْزَمَ مَالِكٌ الدَّهْرَ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ، وَتَرَكَهُ مَالِكٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا مِنْ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ صَوْمُ الدَّهْرِ لَزِمَهُ وَتَوَسَّطَ، فَقَالَ سَنَةً، فَإِنَّهُ عَدْلٌ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَبُيِّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ذِكْرِ النَّخْلَةِ، وَيُعَارِضُهُ أَنَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بُيِّنَ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ فِي ذِكْرِ النَّخْلَةِ. الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا حَلَفَ أَلَّا يَدْخُلَ الدَّارَ حِينًا: وَهِيَ مُتَرَكِّبَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي تَحْدِيدِ الْحِينِ، لَكِنَّهُ يَلْحَقُ الصَّلَاةَ فِي احْتِمَالِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَيَحْتَمِلُ سَائِرَ الْوُجُوهِ. وَالْمُعَوَّلُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا عَلَى الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ وَلَا بِسَاطُ حَالٍ؛ فَيُرَكَّبُ الْبِرّ وَالْحِنْثُ عَلَى النِّيَّةِ أَوَّلًا، وَعَلَى السَّبَبِ ثَانِيًا، وَعَلَى الْبِسَاطِ ثَالِثًا، وَعَلَى اللُّغَةِ رَابِعًا، وَعَلَى الْعُرْفِ خَامِسًا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ اللُّغَةِ عِنْدَنَا؛ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُحَقَّقًا فِي سُورَةِ " ص " وَغَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب