الباحث القرآني

فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْت قَطُّ مِثْلَهَا. قَالَ: فَكَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إذَا صَلَّوْا تَقَدَّمُوا، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَأْخِرُ، فَإِذَا سَجَدُوا نَظَرُوا إلَيْهَا مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ». الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي شَرْحِ الْمُرَادِ بِهَا: فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْخَلْقِ إلَى الْيَوْمِ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بَعْدُ؛ بَيَانًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ. الثَّانِي: مَنْ مَاتَ، وَمَنْ بَقِيَ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ: الْمُسْتَقْدِمِينَ [مِنْ] سَائِرِ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ: قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي الْمَعْصِيَةِ. الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ؛ وَكُلُّ هَذَا مَعْلُومٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ، وَبِمَا كَانَ [وَبِمَا] يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ [كَانَ] يَكُونُ. [مَسْأَلَة أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَعَلَى فَضْلِ الْمُبَادَرَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَيْهَا عَامَّةً؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. [مَسْأَلَة فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ». فَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، فَقَدْ حَازَ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ فِي الْفَضْلِ: أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَالصَّفَّ الْأَوَّلِ، وَمُجَاوَرَةَ الْإِمَامِ. فَإِنْ جَاءَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ أَوْ فِيمَا نَزَلَ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَدْ حَازَ فَضْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفَاتَهُ فَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْمُجَاوَرَةِ. فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الزَّوَالِ وَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ دُونَ مَا يَلِي الْإِمَامَ فَقَدْ حَازَ فَضْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفَضْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفَاتَهُ مُجَاوَرَةُ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ. وَمُجَاوِرَةُ الْإِمَامِ لَا تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى». فَمَا يَلِي الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَإِنْ نَزَلَهَا غَيْرُهُ أُخِّرَ لَهُ وَتَقَدَّمَ هُوَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، كَالْمِحْرَابِ هُوَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. [مَسْأَلَة فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْقِتَال] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَكَمَا تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْقِتَالِ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَبَيْعَ النَّفْسِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوَازِنُهُ عَمَلٌ فَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ أَفْضَلُ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا خَفَاءَ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَقَدَّمُ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ. قَالَ الْبَرَاءُ: «كُنَّا إذَا حَمِيَ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب