الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَنْعَامِ عُمُومًا، وَخَصَّ الْإِبِلَ هَهُنَا بِالذِّكْرِ فِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ، تَنْبِيهًا عَلَى مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْعَامِ؛ فَإِنَّ الْغَنَمَ لِلسَّرْحِ وَالذَّبْحِ، وَالْبَقَرَ لِلْحَرْثِ، وَالْإِبِلَ لِلْحَمْلِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمٍ عَدَا عَلَيْهَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ الذِّئْبُ، وَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَإِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: آمَنْت بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ».
[مَسْأَلَة السَّفَر بِالدَّوَابِّ عَلَيْهَا الْأَثْقَالُ الثِّقَالُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهِ جَوَازُ السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ عَلَيْهَا الْأَثْقَالُ الثِّقَالُ، وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ فِي الْحَمْلِ، مَعَ الرِّفْقِ فِي السَّيْرِ وَالنُّزُولِ لِلرَّاحَةِ.
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّفْقِ بِهَا، وَالْإِرَاحَةِ لَهَا، وَمُرَاعَاةِ التَّفَقُّدِ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ: عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيَرْضَى بِهِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنَقْيِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ».
{"ayah":"وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدࣲ لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}