الباحث القرآني

الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]. فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَقَدْ كَادَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْنَا السَّاعَةَ بِقَوْلِهِمْ هَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]. وَصَدَقَ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ عَظِيمٌ سَبَقَ الْقَضَاءَ وَالْقَدْرَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْبَارِئَ لَا يَضَعُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ، وَلَا يَرْفَعُهُ إيمَانُ الْمُؤْمِنِ، وَلَا يَزِيدُ هَذَا فِي مُلْكِهِ، كَمَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ، مَا جَرَى شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَلَكِنَّهُ الْقُدُّوسُ الْحَكِيمُ الْحَلِيمُ، فَلَمْ يُبَالِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا يَقُولُهُ الْمُبْطِلُونَ. [مَسْأَلَة الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ ابْنَهُ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ ابْنَهُ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَلَدِيَّةَ وَالْعَبْدِيَّةَ فِي طَرَفَيْ تَقَابُلٍ، فَنَفَى إحْدَاهُمَا، وَأَثْبَتَ الْأُخْرَى، وَلَوْ اجْتَمَعَتَا لَمَا كَانَ لِهَذَا الْقَوْلِ فَائِدَةٌ يَقَعُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا، وَالتَّبَرِّي مِنْهَا؛ وَلِهَذَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَمَةَ الرَّجُلِ إذَا حَمَلَتْ فَإِنَّ وَلَدَهَا فِي بَطْنِهَا حُرٌّ لَا رِقَّ فِيهِ بِحَالٍ، وَمَا جَرَى فِي أُمِّهِ مَوْضُوعٌ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ، فَلَا خِلَافَ فِي الْوَلَدِ، وَبِهِ يَقَعُ الِاحْتِجَاجُ. وَإِذَا اشْتَرَى الْحُرُّ أَبَاهُ وَابْنَهُ عَتَقَا عَلَيْهِ، حِينَ يَتِمُّ الشِّرَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». فَهَذَا نَصٌّ. وَالْأَوَّلُ دَلِيلٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ ابْنَهُ مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ عَلَيْهِ فَالِابْنُ بِعَدَمِ مِلْكِ الْأَبِ أَوْلَى مَعَ قُصُورِهِ عَنْهُ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا أَزَالَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِالشِّرَاءِ إلَيْهِ تَبْطُلُ عَنْهُ، وَعَتَقَ، وَالْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْرِيعٌ وَتَفْصِيلٌ مَوْضِعُهُ شَرْحُ الْحَدِيثِ، وَمَسَائِلُ الْفِقْهِ، فَلْيُنْظَرْ فِيهَا. [مَسْأَلَة الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا] الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]. فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ؛ فَتُحِبُّهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا فَذَكَرَ مِثْلَهُ». وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَحَادِيثُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْرَضْنَا عَنْهَا لِضَعْفِهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ: «اتَّقِ اللَّهَ يُحِبَّك النَّاسُ، وَإِنْ كَرِهُوك»، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، وَقَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [مريم: 96] الْآيَةَ. وَقَرَأَ مَالِكٌ: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39]. وَهَذَا يُبَيِّنُ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ، وَخَلْقَهُ الْمَحَبَّةَ فِي الْخَلْقِ؛ وَذَلِكَ نَصٌّ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76] وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الشَّرِيعَةِ مِنْ اجْتِنَابِ النَّهْيِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب