الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 35]. فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قُرِئَ مَنْسِكٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا، وَبَابُ مَفْعَلُ فِي اللُّغَةِ يَخْتَلِفُ حَالُ دَلَالَتِهِ بِاخْتِلَافِ حَالِ فِعْلِهِ؛ فَإِذَا كَانَ مَكْسُورَ الْعَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاسْمُ الْمَكَانِ مِنْهُ مَفْعَلُ، وَالْمَصْدَرُ مَفْتُوحُ الْعَيْنِ، وَاسْمُ الزَّمَانِ مِنْهُ كَاسْمِ الْمَكَانِ، قَالُوا: أَتَتْ النَّاقَةُ عَلَى مَضْرِبِهَا وَمَحْلَبِهَا. وَمَا كَانَ الْعَيْنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْهُ مَفْتُوحًا فَالْمَصْدَرُ وَالْمَكَانُ مَفْتُوحَانِ، كَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، وَيَأْتِي لِغَيْرِهِ كَالْمَكْبَرِ مِنْ كَبُرَ يَكْبُرُ، وَمَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَبِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ عَلَى يَفْعَلُ مَفْتُوحًا، لَمْ يَقُولُوا فِيهِ مَفْعَلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَقَدْ جَاءَ الْمَصْدَرُ مَكْسُورًا فِي هَذَا الْبَابِ، قَالُوا مَطْلِعَ الشَّمْسِ، وَالْحِجَازِيُّونَ يَفْتَحُونَهُ، وَقَدْ كَسَرُوا اسْمَ الْمَكَانِ أَيْضًا، فَقَالُوا: الْمَنْبِتُ لِمَوْضِعِهِ، وَالْمَطْلِعُ لِمَوْضِعِهِ، فَعَلَى هَذَا قُلْ: مَنْسَكًا وَمَنْسِكًا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ. [مَسْأَلَة مَعْنَى مَنْسَكًا] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَى مَنْسَكًا حَجًّا. قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: ذَبْحًا قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: عِيدًا قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ نَسَكْت، وَلَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: تَعَبَّدْت، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] خُصَّ فِي الْحَجِّ عَلَى عَادَةِ اللُّغَةِ. الثَّانِي: قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّسِيكَةِ، وَالنَّسِيكَةُ: الْمُخَلَّصَةُ مِنْ الْخَبَثِ، وَيُقَالُ لِلذَّبْحِ نُسُكٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذْبَحُ لِغَيْرِهِ. وَادَّعَى ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مَعْنَى نَسَكْت ذَهَبْت، وَكُلُّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبًا فَقَدْ نَسَكَ. وَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى الْعِبَادَةِ وَالتَّقَرُّبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَلَمَّا رَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَتَكَرَّرُ قَالَ: إنَّ نَسَكْت بِمَعْنَى تَعَهَّدْت. وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرَّاءُ مِنْ أَنَّهُ الْعِيدُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنَاسِكِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] يَعْنِي يَذْبَحُونَهَا لِلَّهِ دُونَ غَيْرِهِ فِي هَدْيٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 35] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب