فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي مَعْنَى النَّصِيبِ: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: لَا تَنْسَ حَظَّك مِنْ الدُّنْيَا أَيْ لَا تَغْفُلْ أَنْ تَعْمَلَ فِي الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " اُحْرُثْ لِدُنْيَاك كَأَنَّك تَعِيشُ أَبَدًا، وَاعْمَلْ لِآخِرَتِك كَأَنَّك تَمُوتُ غَدًا ".
الثَّانِي: أَمْسِكْ مَا يَبْلُغُك، فَذَلِكَ حَظُّ الدُّنْيَا. وَأَنْفِقْ الْفَضْلَ، فَذَلِكَ حَظُّ الْآخِرَةِ.
الثَّالِثُ: لَا تَغْفُلْ شُكْرَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْك.
[مَسْأَلَة اسْتِعْمَالُ نِعَم اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ذُكِرَ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ، جِمَاعُهَا اسْتَعْمِلْ نِعَمَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهَا تَعِيشُ وَتَأْكُلُ وَتَشْرَبُ غَيْرَ مُضَيَّقٍ عَلَيْك فِي رَأْيٍ.
قَالَ الْقَاضِي: أَرَى مَالِكًا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَرَى مِنْ الْغَالِينَ فِي الْعِبَادَةِ التَّقَشُّفَ وَالتَّقَصُّفَ وَالْبَأْسَاءَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ الْحَلْوَى، وَيَشْرَبُ الْعَسَلَ، وَيَسْتَعْمِلُ الشِّوَاءَ، وَيَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ: أُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ عَيْشِهِ، وَيُقَدِّمَ مَا سِوَى ذَلِكَ لِآخِرَتِهِ. وَأَبْدَعُ مَا فِيهِ عِنْدِي قَوْلُ قَتَادَةَ: وَلَا تَنْسَ الْحَلَالَ، فَهُوَ نَصِيبُك مِنْ الدُّنْيَا، وَيَا مَا أَحْسَنَ هَذَا،
{"ayah":"وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}