الباحث القرآني

فِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: قِيلَ: نَزَلَتْ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ تَابَعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا قَالَ لَهُمْ الْيَهُودُ: تَرَكْتُمْ دِينَكُمْ، فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدَنَا حَقٌّ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الدِّينَارُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَالْقِنْطَارُ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ، وَالرُّبْعُ ثَلَاثُونَ رِطْلًا، وَالرِّطْلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالدِّرْهَمُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ مَشْرُوحًا فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ. [مَسْأَلَةٌ ائْتِمَان أَهْل الْكتاب عَلَى مَالٍ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَائِدَتُهَا النَّهْيُ عَنْ ائْتِمَانِهِمْ عَلَى مَالِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَرَبِيُّ: فَائِدَتُهَا أَلَّا يُؤْتَمَنُوا عَلَى دِينٍ؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 78] فَأَرَادَ أَلَّا يُؤْتَمَنُوا عَلَى نَقْلِ شَيْءٍ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا فِي الْمَالِ نَصٌّ، وَفِي الدِّينِ سُنَّةٌ؛ فَأَفَادَتْ الْمَعْنَيَيْنِ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. [مَسْأَلَةٌ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ فِي الدِّينَارِ بِالنَّصِّ أَوْ بِالسُّنَّةِ أَوْ بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، وَهُنَاكَ تَجِدُونَهُ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] تَعَلَّقَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ لِلْمُفْلِسِ؛ وَأَبَاهُ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَا حُجَّةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ الْمَحْكُومِ بِعَدَمِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهَا؛ إذْ لَا يُرْجَى مَا عِنْدَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ هُنَاكَ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ: إنَّ مَعْنَى {لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] أَيْ حَافِظًا بِالشَّهَادَةِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ. الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَقْسَامُ هَذِهِ الْحَالِ ثَلَاثَةٌ: قِسْمٌ يُؤَدَّى، وَقِسْمٌ لَا يُؤَدَّى إلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا، وَقِسْمٌ لَا يُؤَدَّى وَإِنْ دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا، إلَّا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ، وَالثَّالِثُ نَادِرٌ؛ فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْغَالِبِ [مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ] الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] الْمَعْنَى فَعَلُوا ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ظُلْمَهُمْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ جَائِزٌ، تَقْدِيرُ كَلَامِهِمْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ظُلْمِ الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أَيْ إثْمٌ. وَقَوْلُهُمْ هَذَا كَذِبٌ صَادِرٌ عَنْ اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ مُرَكَّبٍ عَلَى كُفْرٍ، فَإِنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ التَّوْرَاةِ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75]. [مَسْأَلَةٌ قَدْر الْأَمَانَةُ فِي الدِّينِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمَانَةُ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ فِي الدِّينِ، وَمِنْ عَظِيمِ قَدْرِهَا أَنَّهَا تَقِفُ عَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْجَوَازِ إلَّا مَنْ حَفِظَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَكِتَابِ شَرْحِ الْمُشْكِلَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ؛ فَتُقَابِلَ مَعْصِيَةً فِيكَ بِمَعْصِيَةٍ فِيهِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَكَ أَنْ تَغْدِرَ بِمَنْ غَدَرَ بِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: " بَابُ إثْمِ الْغَادِرِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ". فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ حَلَّ بِكَ فَاحْلُلْ بِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَكَ فَاقْتُلْهُ وَحُلَّ أَنْتَ بِهِ أَيْضًا، مَنْ خَانَكَ فَخُنْهُ. قُلْنَا: تَحْرِيمُ الْمُحْرِمِ كَانَ بِشَرْطِ أَلَّا يَعْرِضَ لَهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَالْأَمَانَةُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. [مَسْأَلَةٌ الْأَكْل مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْغَزْوِ] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نُصِيبُ فِي الْغَزْوِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَنَقُولُ: لَيْسَ بِذَلِكَ عَلَيْنَا بَأْسٌ. فَقَالَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ؛ إنَّهُمْ إذَا أَدَّوْا الْجِزْيَةَ لَمْ تَحِلَّ لَكُمْ أَمْوَالُهُمْ إلَّا عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75] هَذِهِ الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ وَيُحَرِّمُونَ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلِ اللَّهِ وَتَحْرِيمِهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ، وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَحْكُمُ بِالِاسْتِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَسْت أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ قَالَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب