الباحث القرآني

سُورَةُ لُقْمَانَ فِيهَا خَمْسُ آيَاتٍ الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6]. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] هُوَ الْغِنَاءُ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ: فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ، وَلَا أَثْمَانُهُنَّ؛ وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6]» الْآيَةَ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ يَسْمَعُ مِنْهَا صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنْ اللَّهْوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ؟ أَدْخِلُوهُمْ فِي رِيَاضِ الْمِسْكِ. ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَسْمِعُوهُمْ حَمْدِي وَشُكْرِي، وَثَنَائِي عَلَيْهِمْ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَمِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ». الثَّانِي: أَنَّهُ الْبَاطِلُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الطَّبْلُ؛ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ يَجْلِسُ بِمَكَّةَ، فَإِذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: إنَّ مُحَمَّدًا قَالَ كَذَا وَكَذَا ضَحِكَ مِنْهُ، وَحَدَّثَهُمْ بِأَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَيَقُولُ: حَدِيثِي هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قُرْآنِ مُحَمَّدٍ. الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُغَنِّيَةً، فَشُغِلَ النَّاسُ بِلَهْوِهَا عَنْ اسْتِمَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة طَبْلُ الْحَرْبِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ بِحَالٍ، لِعَدَمِ ثِقَةِ نَاقِلِيهَا إلَى مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَعْيَانِ فِيهَا. وَأَصَحُّ مَا فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْبَاطِلُ. فَأَمَّا قَوْلُ الطَّبَرِيِّ: إنَّهُ الطَّبْلُ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: طَبْلُ حَرْبٍ، وَطَبْلُ لَهْوٍ، فَأَمَّا طَبْلُ الْحَرْبِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ النُّفُوسَ، وَيُرْهِبُ عَلَى الْعَدُوِّ. وَأَمَّا طَبْلُ اللَّهْوِ فَهُوَ كَالدُّفِّ. وَكَذَلِكَ آلَاتُ اللَّهْوِ الْمُشْهِرَةُ لِلنِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ، لِمَا يَحْسُنُ مِنْ الْكَلَامِ، وَيَسْلَمُ مِنْ الرَّفَثِ. [مَسْأَلَة سَمَاعُ الْقَيْنَاتِ] وَأَمَّا سَمَاعُ الْقَيْنَاتِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْمَعَ غِنَاءَ جَارِيَتِهِ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَيْهِ حَرَامًا، لَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَلَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ التَّلَذُّذِ بِصَوْتِهَا. [مَسْأَلَة الدُّفُّ فِي الْعُرْسِ] وَلَمْ يَجُزْ الدُّفُّ فِي الْعُرْسِ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُشْهِرُهُ، فَكُلُّ مَا أَشْهَرَهُ جَازَ. وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ الزَّمْرِ فِي الْعُرْسِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: «أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ»، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ انْكِشَافُ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ وَلَا هَتْكُ الْأَسْتَارِ، وَلَا سَمَاعُ الرَّفَثِ، فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ إلَى مَا لَا يَجُوزُ مُنِعَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَاجْتُنِبَ مِنْ أَصْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب