الباحث القرآني

فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَذَلِكَ أَنَّ «قُرَيْشًا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ: سَأَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْت: الْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَالتَّعْقِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْت: إفْشَاءُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ وَقِيلَ: خُصُومَتُهُمْ قَوْلُهُمْ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]» هَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ؛ وَهُوَ حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْت بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْت مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام: 75]. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْت: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: أَيْ رَبِّ فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْت: الْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ إلَى الصَّلَاةِ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ صَحِيحًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «احْتَبَسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَنَا: عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا إنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمْ الْغَدَاةَ: إنِّي قُمْت فِي اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْت وَصَلَّيْت مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْت فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَثْقَلْت، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ. قُلْت: لَبَّيْكَ. قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: مَا أَدْرِي ثَلَاثًا. قَالَ: فَرَأَيْته وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْت بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ، وَعَرَفْت. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. قُلْت: لَبَّيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْت مَشْيُ الْأَقْدَامِ إلَى الْحَسَنَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ. قَالَ: وَمَا الْحَسَنَاتُ؟ قُلْت: إطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْت: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ. وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْت فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، أَسْأَلُك حُبَّك وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّك، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إلَى حُبِّك. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا». [مَسْأَلَة الْمَشْيَ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الطَّاعَاتِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَشْيَ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الطَّاعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ، فَأَمَّا كُلُّ مَا يُبْعِدُ فَيَكُونُ الْمَرْءُ بِكَلَالَهِ أَقَلَّ اجْتِهَادًا فِي الطَّاعَةِ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاكِبَ فِي الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ الرَّاجِلِ لِأَجْلِ غَنَائِهِ؛ وَهَذَا فَرْعُ هَذَا الْأَصْلِ، إذْ الْعَمَلُ مَا كَانَ أَخْلَصَ وَأَبَرَّ كَانَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِالرَّاحَةِ أَفْضَلَ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَلَأُ الْأَعْلَى فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْفَضِيلَةِ وَكَمِّيَّتِهَا فَيَجْتَهِدُونَ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ أَفْضَلُ، كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا وَلَا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ قَوْمٌ يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ؛ وَإِنَّمَا طَلَبُوا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فَغُيِّبَتْ عَنْهُمْ حِكْمَتُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب