الباحث القرآني

الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]. فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ فَهَابَهُمْ وَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّت وَلَا يَعْجَلَ، فَانْطَلَقَ خَالِدٌ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا، فَبَعَثَ عُيُونَهُ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَسَمِعُوا آذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ خَالِدٌ، وَرَأَى صِحَّةَ مَا ذَكَرُوهُ عَادَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ». فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: «الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ». [مَسْأَلَة مَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بَطَلَ قَوْلُهُ فِي الْأَخْبَارِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بَطَلَ قَوْلُهُ فِي الْأَخْبَارِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ أَمَانَةٌ، وَالْفِسْقَ قَرِينَةٌ تُبْطِلُهَا، فَأَمَّا فِي الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَبْطُلُ إجْمَاعًا. وَأَمَّا فِي الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: يَكُونُ وَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهَا فَيَلِي بُضْعَهَا، كَالْعَدْلِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ إلَّا أَنَّ غِيرَتَهُ مُوَفَّرَةٌ، وَبِهَا يَحْمِي الْحَرِيمَ، وَقَدْ يَبْذُلُ الْمَالَ وَيَصُونُ الْحُرْمَةَ، فَإِذَا وُلِّيَ الْمَالَ فَالْبُضْعُ أَوْلَى. [مَسْأَلَة إمَامَةَ الْفَاسِقِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُجَوِّزَ الشَّافِعِيُّ وَنُظَرَاؤُهُ إمَامَةَ الْفَاسِقِ وَمَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَبَّةِ مَالٍ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى قِنْطَارِ دِينٍ؛ وَهَذَا إنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ أَنَّ الْوُلَاةَ [الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ] لَمَّا فَسَدَتْ أَدْيَانُهُمْ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَرَاءَهُمْ، وَلَا اُسْتُطِيعَتْ إزَالَتُهُمْ صَلَّى مَعَهُمْ وَوَرَاءَهُمْ، كَمَا قَالَ عُثْمَانُ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَفْعَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنُوا فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ؛ ثُمَّ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ إذَا صَلَّى مَعَهُمْ تَقِيَّةٌ أَعَادُوا الصَّلَاةَ لِلَّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلُهَا صَلَاتَهُ. وَبِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَقُولُ؛ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ خَلْفَ مَنْ لَا يَرْضَى مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنْ يُعِيدُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُؤْثَرُ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَأَمَّا أَحْكَامُهُ إنْ كَانَ [حَاكِمًا] وَالِيًا فَيُنَفِّذُ مِنْهَا مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَيَرُدُّ مَا خَالَفَهُ، وَلَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ الَّذِي أَمْضَاهُ بِحَالٍ، وَلَا تَلْتَفِتُوا إلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ رِوَايَةٍ ثُؤْثَرُ، أَوْ قَوْلٍ يُحْكَى؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ كَثِيرٌ، وَالْحَقَّ ظَاهِرٌ. [مَسْأَلَة هَلْ يَكُونَ الْفَاسِق رَسُولًا عَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلٍ يُبَلِّغُهُ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا عَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلٍ يُبَلِّغُهُ، أَوْ شَيْءٍ يُوَصِّلُهُ أَوْ إذْنٍ يُعَلِّمُهُ، إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِّ الْمُرْسِلِ وَالْمُبَلِّغِ؛ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. فَهَذَا جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا الْعُدُولُ. يَحْصُلُ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِعَدَمِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب