الباحث القرآني

فِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: [فِي سَبَبِ النُّزُولِ]: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْظَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ وَكَانُوا يُخْفُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ، قَالُوا: يَا مُحَمَّد: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إخْوَاننَا بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ دَمٌ، وَكَانَتْ النَّضِيرُ تَتَعَزَّزُ عَلَى قُرَيْظَةَ فِي دِمَائِهَا وَدِيَاتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالُوا: لَا نُطِيعُك فِي الرَّجْمِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِحُدُودِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا، فَنَزَلَتْ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، وَنَزَلَتْ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى: فَمَا بَالُهُمْ يُخَالِفُونَ فَيَقْتُلُونَ النَّفْسَيْنِ بِالنَّفْسِ وَيَفْقَئُونَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَيْنِ؛ وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عِنْدَهُمْ الْقِصَاصُ خَاصَّةً، فَشَرَّفَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَمَةَ بِالدِّيَةِ. [مَسْأَلَة قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ بِنَفْسٍ. قَالَتْ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا. وَقُلْنَا نَحْنُ لَهُ: هَذِهِ الْآيَةُ، إنَّمَا جَاءَتْ لِلرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَأَخْذِهِمْ مِنْ قَبِيلَةٍ رَجُلًا بِرَجُلٍ، وَنَفْسًا بِنَفْسٍ، وَأَخْذِهِمْ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى نَفْسَيْنِ بِنَفْسٍ، فَأَمَّا اعْتِبَارُ أَحْوَالِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ فَلَيْسَ لَهُ تَعَرُّضٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا سِيقَتْ الْآيَةُ لَهُ، وَإِنَّمَا تُحْمَلُ الْأَلْفَاظُ عَلَى الْمَقَاصِدِ. جَوَابٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَبُ مِنْ بَعْضٍ؛ «عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ خَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، إلَّا مَا فِي هَذَا، وَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، وَإِذَا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ». جَوَابٌ ثَالِثٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]. وَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فَاقْتَضَى لَفْظُ الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةَ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِر؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ الْمُبِيحِ لِلدَّمِ مَوْجُودٌ بِهِ، فَلَا تَسْتَوِي نَفْسٌ مُبِيحُهَا مَعَهَا مَعَ نَفْسٍ قَدْ تَطَهَّرَتْ عَنْ الْمُبِيحَاتِ، وَاعْتَصَمَتْ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْعِصَمِ. وَقَدْ ذَكَر بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ نُكْتَةً حَسَنَةً، قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي مِلَّتِهِمْ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مِنْهُمْ تَعَادُلُ نَفْسًا؛ فَإِذَا الْتَزَمْنَا نَحْنُ ذَلِكَ فِي مِلَّتِنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ فِي مِلَّتِنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مِنَّا تُقَابِلُ نَفْسًا، فَأَمَّا مُقَابَلَةُ كُلِّ نَفْسٍ مِنَّا بِنَفْسٍ مِنْهُمْ فَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ، وَلَا مِنْ مَوَارِدِهَا. [مَسْأَلَة قَتْلَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يُوجِبُ قَتْلَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ خَاصَّةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُوجِبُ ذَلِكَ أَخْذَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَخْذَ أَطْرَافِهِ بِأَطْرَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَنَخُصُّ هَذَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ مَعَ السَّلَامَةِ فِي الْخِلْقَةِ فَلَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَنْفُسِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرَيْنِ: إنَّ نَقْصَ الرِّقِّ الْبَاقِيَ فِي الْعَبْدِ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ يَمْنَعُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ يَصْرِفُهُ الْحُرُّ كَمَا يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ. [مَسْأَلَةُ قَتْلَ الرَّجُلِ الْحُرّ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّة] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يُوجِبُ قَتْلَ الرَّجُلِ [الْحُرِّ] بِالْمَرْأَةِ [الْحُرَّةِ] مُطْلَقًا؛ وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاجُعِ، فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ خُيِّرَ وَلِيُّهَا، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ أُعْطِيَ نِصْفَ الْعَقْلِ. وَقَتَلَ الرَّجُلَ. وَعُمُومُ الْآيَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ». وَالْمَعْنَى يُعَضِّدُهُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ فَقَدْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ فِي الدَّمِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ زِيَادَةٌ كَالرَّجُلَيْنِ. [مَسْأَلَةُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تُقْتَل الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. قُلْنَا: هَذَا عُمُومٌ تَخُصُّهُ حِكْمَتُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَتَلَ مَنْ قَتَلَ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ عَنْ الْقَتْلِ، فَلَوْ عَلِمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمْ لَقَتَلُوا عَدُوَّهُمْ فِي جَمَاعَتِهِمْ، فَحَكَمْنَا بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ رَدْعًا لِلْأَعْدَاءِ، وَحَسْمًا لِهَذَا الدَّاءِ، وَلَا كَلَامَ لَهُمْ عَلَى هَذَا. [مَسْأَلَة إذَا جَرَحَ أَوْ قَطَعَ الْيَد أَوْ الْأُذُنَ ثُمَّ قَتَلَ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا جَرَحَ أَوْ قَطَعَ الْيَدَ أَوْ الْأُذُنَ ثُمَّ قَتَلَ فُعِلَ بِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا أَخَذَ، وَيُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنْ قَصْدَ بِذَلِكَ الْمُثْلَةَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ مُضَارَبَتِهِ لَمْ يُمَثَّلْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِصَاصِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّشَفِّيَ، وَإِمَّا إبْطَالَ الْعُضْوِ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَيْهِ. وَهَذَا لَيْسَ بِقِصَاصٍ [وَلَا انْتِصَافٍ]؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ تَأَلَّمَ بِقَطْعِ الْأَعْضَاءِ [كُلِّهَا] وَبِالْقَتْلِ، فَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِ الْقِصَاصِ مِنْ أَنْ يَأْلَمَ كَمَا آلَمَ، وَبِهِ أَقُولُ. [مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ] الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَكَرَ الْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَالْأُذُنَ وَالسِّنَّ وَتَرَكَ الْيَدَ، فَقِيلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بِهَا يُفْعَلُ [كُلُّ] ذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْيَدَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّ الْيُسْرَى لَا تُسَاوِي الْيُمْنَى؛ فَتَرَكَ الْقَوْلَ فِيهَا لِتَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]. ثُمَّ يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْيَدَ بِالْيَدِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ؛ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ، وَفِيهِ إشْكَالٌ يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. [مَسْأَلَة قِرَاءَة قَوْله تَعَالَى وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] قَرَأَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَالنَّصْبُ إتْبَاعٌ لِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ؛ وَالرَّفْعُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى حَالِ النَّفْسِ قَبْلَ دُخُولِ أَنْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا كُتِبَ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. [مَسْأَلَة كَيْفِيَّةَ الْقِصَاصِ مِنْ الْعَيْن] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فَقَأَهَا، أَوْ أَذْهَبَ بَصَرَهَا وَبَقِيَتْ صُورَتُهَا، أَوْ أَذْهَبَ بَعْضَ الْبَصَرِ. وَقَدْ أَفَادَنَا كَيْفِيَّةَ الْقِصَاصِ مِنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ بِمِرْآةٍ فَحُمِّيَتْ، ثُمَّ وَضَعَ عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى قُطْنًا، ثُمَّ أُخِذَتْ الْمِرْآةُ بِكَلْبَتَيْنِ فَأُدْنِيَتْ مِنْ عَيْنِهِ حَتَّى سَالَ إنْسَانُ عَيْنِهِ. فَلَوْ أَذْهَبَ رَجُلٌ بَعْضَ بَصَرِهِ فَإِنَّهُ تُعْصَبُ عَيْنُهُ وَتُكْشَفُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَذْهَبُ رَجُلٌ بِالْبَيْضَةِ وَيَذْهَبُ وَيَذْهَبُ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُ الْمَضْرُوبِ فَيُعَلَّمَ، ثُمَّ تُغَطَّى عَيْنُهُ وَتُكْشَفُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَذْهَبُ رَجُلٌ بِالْبَيْضَةِ وَيَذْهَبُ وَيَذْهَبُ، فَحَيْثُ انْتَهَى الْبَصَرُ عَلَّمَ، ثُمَّ يُقَاسُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَسَّاحَةِ، فَكَيْفَ كَانَ الْفَضْلُ نَسَبًا، وَيَجِبُ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَعَ الْأَدَبِ الْوَجِيعِ وَالسِّجْنِ الطَّوِيلِ؛ إذْ الْقِصَاصُ فِي مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا يَزَالُ هَذَا يُخْتَبَرُ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ لِئَلَّا يَتَدَاهَى الْمَضْرُوبُ فَيَنْقُصَ مِنْ بَصَرِهِ، لِيَكْثُرَ حَظُّهُ مِنْ مَالِ الضَّارِبِ؛ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا. [مَسْأَلَة فَقَأَ أَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ] الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: لَوْ فَقَأَ أَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ: قِيلَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ شَاءَ فَقَأَ عَيْنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةً كَامِلَةً. وَمُتَعَلَّقُ عُثْمَانَ [أَنَّهُ] فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ أَخَذَ جَمِيعَ الْبَصَرِ بِبَعْضِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَاوَاةِ. وَمُتَعَلَّقُ الشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]. وَمُتَعَلَّقُ مَالِكٍ أَنَّ الْأَدِلَّةَ لَمَّا تَعَارَضَتْ خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَالْأَخْذُ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ أَوْلَى فَإِنَّهُ أَسْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَة فَقَأَ صَحِيحٌ عَيْنَ أَعْوَرَ] الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إذَا فَقَأَ صَحِيحٌ عَيْنَ أَعْوَرَ: فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ. وَلَكِنْ عُلَمَاؤُنَا قَالُوا: إنَّ مَنْفَعَةَ الْأَعْوَرِ بِبَصَرِهِ كَمَنْفَعَةِ السَّالِمِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ دِيَتِهِ. [مَسْأَلَة إذَا ضَرَبَ سِنَّهُ فَاسْوَدَّتْ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَالُوا: إذَا ضَرَبَ سِنَّهُ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا كَامِلَةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهَا حُكُومَةٌ، وَهَذَا عِنْدِي خِلَافٌ يَئُولُ إلَى وِفَاقٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ سَوَادُهَا أَذْهَبَ مَنْفَعَتَهَا، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ صُورَتُهَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ مَنْفَعَتِهَا شَيْءٌ أَوْ جَمِيعُهَا لَمْ يَجِبْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حُكُومَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ضُرِبَ سِنُّهُ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ عَنْهُ سَنَدًا وَلَا فِقْهًا. [مَسْأَلَة أَخَذَ الْكَبِيرُ دِيَةَ ضِرْسِهِ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَخَذَ الْكَبِيرُ دِيَةَ ضِرْسِهِ، ثُمَّ ثَبَتَتْ. فَلَا يَرُدُّهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا قَدْ ثَبَتَ، أَصْلُهُ سِنُّ الصَّغِيرِ؛ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا ثَبَاتٌ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّادِرِ كَسَائِرِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فَالْتَحَمَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ رَدَّهَا أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ. [مَسْأَلَة قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا بِحَرَارَةِ الدَّمِ فَالْتَزَقَتْ] وَكَذَلِكَ لَوْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا بِحَرَارَةِ الدَّمِ فَالْتَزَقَتْ مِثْلُهُ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَالَ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْبُرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهَا؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ أَلْصَقَهَا؛ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ، وَقَدْ جَهِلَ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ رَدَّهَا وَعَوْدَهَا لِصُورَتِهَا مُوجِبٌ عَوْدَهَا لِحُكْمِهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَانَتْ فِيهَا لِلِانْفِصَالِ، وَقَدْ عَادَتْ مُتَّصِلَةً، وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ صِفَاتٍ لِلْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ تَعُودُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهَا وَإِخْبَارِهِ عَنْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَسْقُطُ عَنْ قَالِعِ السِّنِّ دِيَتُهَا، وَإِنْ رَجَعَتْ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِقَلْعِهَا، وَذَلِكَ لَا يَنْجَبِرُ. قُلْنَا: إنَّمَا وَجَبَتْ لِفَقْدِهَا وَذَهَابِ مَنْفَعَتِهَا؛ فَإِذَا عَادَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَفَقَدَ بَصَرَهُ، فَلَمَّا قَضَى عَلَيْهِ عَادَ بَصَرُهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ. [مَسْأَلَة حُكْمُ قَلْعِ السِّنِّ الزَّائِدِ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: [حُكْمُ قَلْعِ السِّنِّ الزَّائِدِ]: فَلَوْ كَانَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ فَقُلِعَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ فِي التَّقْدِيرِ دَلِيلٌ، فَالْحُكُومَةُ أَعْدَلُ. [مَسْأَلَةُ حُكْمُ قَطْعِ أُذُنَيْ رَجُلٍ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: [حُكْمُ قَطْعِ أُذُنَيْ رَجُلٍ]: قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَيْ رَجُلٍ: عَلَيْهِ حُكُومَةٌ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ، وَيُقَاسُ كَمَا يُقَاسُ الْبَصَرُ، فَإِنْ أَجَابَ جَوَابَ مَنْ يَسْمَعُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ أُحْلِفَ، لَقَدْ صُمَّتْ مِنْ ضَرْبِ هَذَا، وَأُغْرِمَ دِيَتَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْيَمِينِ فِي الْبَصَرِ. [مَسْأَلَةُ الْقَوَد فِي اللِّسَانُ] الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اللِّسَانُ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَوَدِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، وَالْعِلَّةُ فِي التَّوَقُّفِ عَنْ الْقَوَدِ فِيهِ عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَالْقَوَدُ هُوَ الْأَصْلُ، وَيُخْتَبَرُ بِالْكَلَامِ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْحُرُوفِ فَبِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ تَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ. [مَسْأَلَةُ قَلَعَ لِسَانُ الْأَخْرَس] فَإِنْ قَلَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: [إذَا قَلَعَ لِسَانُ أَخْرَس]: فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: فِيهِ الدِّيَةُ، يُقَالُ لَهُ: إذَا أَسْقَطْت الْقَوَدَ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَرِينَةُ الْقَوَدِ. [مَسْأَلَة الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ بِالْيَسَارِ فِي الْقطْع] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: [الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ بِالْيَسَارِ]: إذَا قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ أَوْ يَسَارَهُ لَمْ يُؤْخَذْ الْيَمِينُ إلَّا بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ إلَّا بِالْيَسَارِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تُؤْخَذُ الْيَمِينُ بِالْيَسَارِ وَالْيَسَارُ بِالْيَمِينِ نَظَرًا إلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي الصُّورَةِ وَالِاسْمِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَهُمَا فِيهَا مُتَفَاوِتَتَانِ أَشَدَّ تَفَاوُتًا مِمَّا بَيْنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَإِذَا لَمْ تُؤْخَذْ الْيَدُ بِالرِّجْلِ فَلَا تُؤْخَذُ يُمْنَى بِيُسْرَى. [مَسْأَلَة كُلُّ عُضْوٍ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ] الْمَسْأَلَةُ الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ: نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَعْضَاءِ وَتَرَكَ بَاقِيَهَا لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ عُضْوٍ فِيهِ الْقِصَاصُ إذَا أَمْكَنَ وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عُضْوٍ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَوَدِ فِيهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالصُّوَرِ بَيَّنَّاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. [مَسْأَلَة حُكْمُ الْجُرُوحِ] الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: [حُكْمُ الْجُرُوحِ]: لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ وَخَصَّ مَا خَصَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَعَمَّ بِمَا نَبَّهَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاَللَّهِ، لَا تُكْسَر ثَنِيَّتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ». [مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: [فَهُوَ كَفَّارَةُ لَهُ هُوَ] الْمَجْرُوحُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْجَارِحُ. وَحَقِيقَةُ الْكَلَامِ هَلْ هُوَ فِي الضَّمِيرَيْنِ وَاحِدٌ أَوْ كُلُّ ضَمِيرٍ يَعُودُ إلَى مُضْمَرٍ ثَانٍ؟ وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى وَاحِدِ الضَّمِيرَيْنِ جَمِيعًا؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَأَسْقَطَهُ كَفَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَيَهَبُهُ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً». وَاَلَّذِي يَقُولُ: إنَّهُ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَجْرُوحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَلَا مَعْنَى لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب