الباحث القرآني

الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]. فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] قَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَجِيءُ الْمَلَكِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ؛ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَلَكَ لَمْ يَأْتِ إلَيْهِ الْآنَ إلَّا بِهَذَا؛ إذْ قَدْ جَاءَ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وَذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا نَاسِخٌ؛ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ. . [مَسْأَلَة الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَطْعُومَاتٌ وَمَنْكُوحَاتٌ وَمَلْبُوسَاتٌ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {عَلَى طَاعِمٍ} [الأنعام: 145] الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَطْعُومَاتٌ، وَمَنْكُوحَاتٌ، وَمَلْبُوسَاتٌ. فَأَمَّا الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَنْكُوحَاتُ فَقَدْ اسْتَوْفَى اللَّهُ بَيَانَهَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، وَمِنْهَا فِي السُّنَّةِ تَوَابِعُ. وَأَمَّا الْمَلْبُوسَاتُ فَمِنْهَا فِي الْقُرْآنِ إشَارَاتٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ؛ وَقَالَ اللَّهُ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ. فَأَمَّا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]. وَكَانَ وُرُودُ ذِكْرِ الدَّمِ مُطْلَقًا هُنَالِكَ وَوَرَدَ هَاهُنَا مُقَيَّدًا بِالسَّفْحِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ هَاهُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ كُلَّ دَمٍ مُحَرَّمٌ إلَّا الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ، بِاسْتِثْنَاءِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ بِالْمَسْفُوحِ؛ قَالَتْهُ عَائِشَةُ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ. قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ مُفْرَدًا حَرُمَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنْ خَالَطَ اللَّحْمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الدَّمُ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ؛ خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا حَرَامَ فِيهَا إلَّا فِيمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ. الثَّالِثِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَيَضُمُّ إلَيْهَا بِالسُّنَّةِ مَا فِيهَا مِنْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ السُّنَّةِ بِهَا. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ: كَمَا فِي تَفْصِيلِ الْأُصُولِ، لَكِنْ لَوْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ هَذِهِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ فَرْضٍ عَلَى الْمَفْرُوضَاتِ لَا يَكُونُ نَسْخًا بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا سِيَّمَا وَمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَمَا قَالُوا. الثَّانِي: أَنَّهَا حُرِّمَتْ بِعِلَّةِ «أَنَّ جَائِيًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فَنِيَتْ الْحُمُرُ. فَنِيَتْ الْحُمُرُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُنَادَى بِتَحْرِيمِهَا» لِعِلَّةٍ مِنْ خَوْفِ الْفَنَاءِ عَلَيْهَا؛ فَإِذَا كَثُرَتْ وَلَمْ يَضُرَّ فَقْدُهَا بِالْحُمُولَةِ جَازَ أَكْلُهَا؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَزُولُ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ. الثَّالِثِ: أَنَّهَا حُرِّمَتْ لِأَنَّهَا طُبِخَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. الرَّابِعِ: أَنَّهَا حُرِّمَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ جَلَّالَةً خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد. وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ جَلَّالَةِ الْبَقَرِ». وَهَذَا بَدِيعٌ فِي وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ نَهَى، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ النَّهْيُ التَّحْرِيمَ، وَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهِيَةَ، مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ السِّبَاعِ فِي الِافْتِرَاسِ. أَلَا تَرَى إلَى الْكَلْبِ وَالْهِرِّ وَالضَّبُعِ فَإِنَّهَا سِبَاعٌ، وَقَدْ وَقَعَ الْأُنْسُ بِالْهِرِّ مُطْلَقًا وَبِبَعْضِ الْكِلَابِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الضَّبُعَ صَيْدٌ، وَفِيهَا كَبْشٌ. وَلَسْنَا نَمْنَعُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا بِالسُّنَّةِ مَا صَحَّ سَنَدُهُ، وَتَبَيَّنَ مَوْرِدُهُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ». وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ مَجْهُولٌ. فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَّا أَنَّ مَوْرِدَهَا يَوْمُ عَرَفَةَ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا مَا فِيهَا، وَإِلَيْهِ أَمِيلُ، وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْت لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ». قَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ، وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ الْحَبْرُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ. وَقَرَأَتْ الْآيَةَ كَمَا قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَخْبِثُونَهُ وَتَجْتَنِبُونَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ [مَيْتَةً] الْآيَةَ. فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا؛ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ مِنْهَا الْمُنْخَنِقَةُ وَأَخَوَاتُهَا. وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْهَا الْقَاذُورَاتُ، وَمِنْهَا الْخَمْرُ وَالْآدَمِيُّ. الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ: الْجَوَابُ الْأَوَّلُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَدَّ هَذَا وَأَوْضَحَ الْمُرَادَ مِنْهُ وَالْحَقَّ فِيهِ، وَهُوَ الْحَبْرُ الْبَحْرُ التُّرْجُمَانُ. الْجَوَابُ الثَّانِي: دَعْوَى وُرُودِ الْآيَةِ عَلَى سُؤَالٍ لَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. الْجَوَابُ الثَّالِثُ: لَوْ صَحَّ السُّؤَالُ لَمَا آثَرَ خُصُوصَ السُّؤَالِ فِي عُمُومِ الْجَوَابِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ وَبَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ. الْجَوَابُ الرَّابِعُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ غَيْرَ ذَلِكَ كَالْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْمَيْتَةِ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ أَنْوَاعَ الْمَيْتَةِ وَشَرَحَ مَا يُسْتَدْرَكُ ذَكَاتُهُ مِمَّا تَفُوتُ ذَكَاتُهُ لِئَلَّا يَشْكُلَ أَمْرُهُ وَيُمْزَجَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ فِي حُكْمِهَا. الْجَوَابُ الْخَامِسُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَاذُورَاتِ فَلَا قَاذُورَ مُحَرَّمٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ رِجْسًا فَيَدْخُلَ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ، وَهُوَ: الْجَوَابُ السَّادِسُ: دَخَلَتْ فِي تَعْلِيلِ الرِّجْسِيَّةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ السَّابِعُ: عَنْ الْآدَمِيِّ فَهَيْهَاتَ أَيُّهَا الْمُتَكَلِّمُ، لَقَدْ حَطَطْت مُسَمَّاك إذْ أَبْعَدْت مَرْمَاك، مَنْ أَدْخَلَ الْآدَمِيَّ فِي هَذَا؟ وَهُوَ الْمُحَلَّلُ لَهُ الْمُحَرَّمُ، الْمُخَاطَبُ الْمُثَابُ الْمُعَاقَبُ، الْمُمْتَثِلُ الْمُخَالِفُ، فَبَيْنَمَا كَانَ مُتَصَرِّفًا جَعَلْته مُصَرِّفًا، انْصَرِفْ عَنْ الْمَقَامِ فَلَسْت فِيهِ بِإِمَامٍ، فَإِنَّ الْإِمَامَ هَاهُنَا وَرَاءٌ، وَالْوَرَاءُ أَمَامٌ، وَقَدْ انْدَرَجَتْ: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي هَذَا الْكَلَامِ. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: رَوَى مُجَاهِدٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ مِنْ الشَّاءِ سَبْعًا: الدَّمَ، وَالْمِرَارَ، وَالْحَيَاءَ، وَالْغُدَّةَ، وَالذَّكَرَ، وَالْأُنْثَيَيْنِ.» وَهَذِهِ زِيَادَاتٌ عَلَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ. قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ غَيْرُ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالنَّدْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُوبِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهِيَةَ إنَّمَا هِيَ عِيَافَةُ نَفْسٍ، وَتَقَزُّزُ جِبِلَّةٍ، وَتَقَذُّرُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُحَلَّلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الدَّمَ. قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْقَرَائِنِ، فَكَمْ مِنْ مَكْرُوهٍ قُرِنَ بِمُحَرَّمٍ، كَقَوْلِهِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ». وَكَمْ مِنْ غَيْرِ وَاجِبٍ قُرِنَ بِوَاجِبٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. وَقَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ الدَّمَ الْمُخَالِطَ لِلَّحْمِ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ لِلْخَلْقِ وَأَمَّا الْمِرَارُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ الْأَمَرُّ، وَهُوَ الْمَصَارِينُ، وَلَا أُرَاهُ أَرَادَ إلَّا الْمِرَارَ بِعَيْنِهِ، وَنَبَّهَ بِذِكْرِهِ عَلَى عِلَّةِ كَرَاهَةِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الْمُسْتَخْبَثِ؛ فَكُرِهَ لِأَجْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب